عبدالله الزازان &&

النجاح في هذا العالم لا يرتبط بما نحن عليه، وإنما يرتبط بتفكيرنا وقناعاتنا وماذا يلزمنا أن نفعل، ذلك أن علينا ألا نكتفي بالتوصل إلى الأفكار بل إلى تنفيذها، وهذا يعني ببساطة أننا وضعنا أنفسنا على أرض النجاح أو لنقل أرض الواقع..

في التسعينات الميلادية تعلمت درسًا جديدًا حول تقنيات التطوير والنظر إلى الأشياء بمنظار حديث، كنت حينها طالبًا في حقل الدراسات الآسيوية، وقد تعلمت هذا الدرس بصورة فعالة في مادة ثقافة اليابان.

معظم ما نطلق عليه اليوم تقدمًا أو تطورًا هو في الواقع انتقالنا من فكرة قديمة إلى فكرة جديدة وإقامة علاقة جديدة مع تقنيات التطور أو لنقل أفضل ما في الأشياء، وهو في الواقع تبادل للأفكار سواء كانت فنية أو علمية أو فلسفية.

كنت في تلك المرحلة من حياتي أحاول أن أمد بساط الانفتاح على الأفكار الجديدة، لأن كل فكرة جديدة نتعلمها تطورنا تلقائيًا، وتهبنا التطلع لما هو أسمى منها، وكل ما علينا أن نتخذ خطوة إلى الأمام لم أكن في الواقع أحاول أن أضيف إلى ثقافتي معلومات جديدة بقدر ما كنت أشكل عادات وتقاليد جديدة وأحاول أن أنتصر لكل فكرة جديدة.

فالعيش في هذا العالم الجديد يتطلب منا أن نتعلم مهارة الانتقال من فكرة إلى أخرى، وإلا كيف يتسنى لنا أن نواصل رحلتنا بجدارة؟

فالنجاح في هذا العالم لا يرتبط بما نحن عليه، وإنما يرتبط بتفكيرنا وقناعاتنا وماذا يلزمنا أن نفعل، ذلك أن علينا ألا نكتفي بالتوصل إلى الأفكار بل إلى تنفيذها، وهذا يعني ببساطة أننا وضعنا أنفسنا على أرض النجاح أو لنقل أرض الواقع.

غير أن علينا لكي نرفع من مستوى حياتنا أن نلجأ إلى كسر الأنماط التقليدية القديمة ونجعل التفكير الإيجابي يحتل مكانًا متقدمًا في حياتنا ونمارس قوة الدفع لأنفسنا، عند ذلك نقف على أفكار تمنحنا القوة، فالنجاح سلسلة من الأفكار والتجارب الصغيرة على أن نكون واضحين وضوحًا مطلقًا بشأن قناعاتنا ومآلاتنا.

كان ذلك أهم ما تعلمته ولكن كيف أنقل مستوى حياتي إلى مستوى آخر؟

لقد تبين لي أن هنالك عاملًا يلعب دورًا مهمًا في تقدمنا وهو ببساطة طلب الأشياء بمنتهى الجدية، ولكن بمنتهى التمحيص أيضًا، وإيقاظ قدرات تفكيرنا وهو ما يعرف عن اليابانيين بالتحسين المستمر أو التغيير إلى الأفضل ورفع نوعية الأداء.

هذه الفكرة تأخذ أهمية كبيرة في اليابان تفوق كل فكرة أخرى، وهي فكرة تقوم عليها حياة الإنتاج بكل أشكاله وتنوعاته، وهي منهجية يابانية.

فالنزعة اليابانية إلى التبدل والتغير والتطور هي التي صنعت وتصنع كل ما كانت عليه اليابان اليوم وكل ما يمكن أن تكون عليه اليابان بعد اليوم.

فقد جاءت اليابان إلى العالم على وقع هذه الفكرة ولكنها صنعت صورة مستقبلية.

تعود فكرة التحسين المستمر للدكتور إدوارد ديمنج الخبير في مجال رفع نوعية الأداء، فقد جاء د. ديمنج إلى اليابان العام 1900م لاستعادة القاعدة الصناعية اليابانية التي كانت قد تدمرت بسبب الحرب العالمية الثانية، وذلك بطلب من اتحاد العلماء اليابانيين، فالدكتور ديمنج يمثل العالم الجديد.

بدأ د. ديمنج بتدريب اليابانيين على رفع مستوى الأداء ومبادئ ضمان الجودة، والتي تتكون من أربعة عشر مبدأ، وتعتبر اليوم أساس نجاح الشركات اليابانية الكبرى، وهي تعني التزاماً برفع نوعية الأداء، وقد اعتبر د. ديمنج هذه المبادئ الطريق إلى السيادة العالمية.

واليوم يعد د. ديمنج أبا المعجزة اليابانية، ففي كل عام منذ 1900م أصبحت جائزة ديمنج تمنح للشركة التي تحقق أعلى مستوى في رفع نوعية منتجاتها في اليابان.

يقول د. روبنز في اليابان: يتم فهم هذا المبدأ فهمًا حسنًا، وهنالك كلمة تستخدم في ميدان الأعمال في اليابان جاءت نتيجة تأثير د. ديمنج وهي تستعمل في جميع المناقشات حول علاقات الأعمال، وهذه الكلمة هي كايزن Kaizen، وتعني حرفيًا التحسين المستمر، وهي تستعمل في لغتهم باستمرار، إذ يتحدثون دائمًا عن التحسين المستمر للعجز التجاري والتحسين المستمر لخطوط الإنتاج والتحسين المستمر للعلاقات الشخصية، ونتيجة ذلك فهم يتطلعون دومًا للسبل التي تمكنهم من التحسين وكلمة كايزن هذه مبنية على أساس التحسين التدريجي والتحسينات البسيطة، غير أن اليابانيين يدركون بأن التحسينات الصغيرة التي يقومون بها يوميًا تخلق نجاحات واسعة.

وعلى إثر ذلك النجاح الذي حققه د. ديمنج في اليابان قامت شركة فورد الأميركية العام 1983م بالاتفاق مع د. ديمنج بإلقاء سلسلة محاضرات حول الأداء، فقد كانت شركة فورد تخسر سنويًا وما أن جاء د. ديمنج حتى بدل القناعة الغربية التقليدية من كيف يمكننا زيادة حجم إنتاجنا وتخفيض تكاليفنا إلى كيف يمكننا رفع نوعية ما نصنعه؟

أعادت فورد ترتيب نقطة تركيزها الأساسية بحيث تجعل من النوعية الأولوية الأولى بالنسبة لها، وخلال ثلاث سنوات انتقلت شركة فورد من شركة تعاني من عجز كبير إلى موقع صناعي مسيطر تحقق فيه ربحًا يقدر بـ6 بلايين دولار.

وفي ذات الفكرة يذكر أحد أهم خبراء الاقتصاد في وول ستريت بالولايات المتحدة الأميركية أنه لازم التحسين المستمر عبر احتفاظه بدفتر مواعيد يكتب فيه كل ارتباطاته اليومية، فقد كان يخصص جزءاً من كل ليلة سبت للمراجعة والتقييم لكل المقابلات والمناقشات والاجتماعات التي حدثت له خلال الأسبوع، وكان يناقش نفسه عن الأخطاء التي وقع فيها في كل مرة والنجاحات التي حققها، وكيف كان بإمكانه تحسين أدائه؟