& عبدالحق عزوزي


أقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مستشاره للأمن القومي جون بولتون، بسبب عدم «الاتفاق مع العديد من اقتراحاته». وكتب ترامب في تغريدة، قال فيها: «أبلغت جون بولتون الليلة الماضية، أننا لم نعد بحاجة إلى خدماته في البيت الأبيض». وأضاف: «أنا لا أتفق مع العديد من اقتراحاته»، في إشارة إلى هذا الرجل المعروف بمواقفه الصارمة حيال إيران وروسيا وكوريا الشمالية.
فيما ينفي بولتون، أن يكون تعرض للإقالة، بل هو من قدم استقالته. بولتون شخصية مثيرة للجدل، ارتبط اسمه باجتياح العراق وغيره من قرارات السياسة الخارجية المتشددة، ويعد أيضاً من الوجوه الأميركية الداعمة لتشديد مواقف واشنطن من إيران وفنزويلا وغيرها من مناطق التوتر. وكان بولتون أحد قادة

«الصقور» في إدارة جورج دبليو بوش، قبل أن يصبح معلقاً على شبكة «فوكس نيوز»، وهو من أشد المعارضين للاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته القوى الكبرى في يوليو 2015، كما تعتبره إسرائيل أحد أصدقائها.
بولتون إذن، هو واحد من الخبراء المستشارين في عهد الرئيس بوش (الابن)، وما زالت سياسة هؤلاء الخارجية في تلك الفترة وتدخلهم العسكري دون «نظارات استراتيجية» دقيقة، تلقي بفاتورتها الثقيلة على البيت الأبيض، والسياسة الخارجية الأميركية، وعلى مستقبل الأمن القومي، بل وعلى العالم... فحصل في تلك الفترة ارتباك في العمل الاستراتيجي، لأن أعضاء فريق الدبلوماسية والأمن القومي يعملون في مستويات مختلفة، وعندهم أدوار مختلفة في الدولة والهياكل التنظيمية الهرمية، والجميع بحاجة إلى احترام دوره وعمله، من تخطيط واستراتيجية وسياسة، ليتم التواصل بشكل فعال ولتبادل المعلومات فيما بينهم، ومع الشعب الأميركي في نهاية المطاف.

ولا جرم أن هذا الخلط هو الذي أدى إلى انحراف بعض الأدوار لبعض المؤسسات الأميركية، وبالتالي إلى ضعف في الإنتاج والمردودية...
إن السمات الأربع للبنية الاستراتيجية الحديثة: التقلب، التوجس، التعقيد، والغموض، تدفع الرؤساء في أميركا إلى تبني آليات متعددة لاتخاذ القرار، ويلعب المستشارون دوراً كبيراً في هذا المجال. فإذا بقينا في مثال الولايات المتحدة الأميركية وفي سياستها الخارجية، نتذكر البون الشاسع في التفكير بين كولن باول وزير الخارجية في عهد بوش الابن، ووزير الدفاع رامسفيلد. ونعلم هنا أن وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين مرتبطتان بالقوة العسكرية، فالتفوق والقوة العسكرية يعطيان الهيبة اللازمة للدبلوماسية الأميركية لتخرج بنجاح سياسي، فكولن باول كان يرفض التدخل العسكري في العراق دون شرعية أممية، إلا أن الكلمة الأخيرة كانت لرامسفيلد، ولحد الساعة ما زالت تثار في كواليس الأجهزة الدبلوماسية والعسكرية الأميركية، مسألة تحديد المسؤول المخطئ في الفشل الحالي في إرساء الاستقرار في عدة مناطق كالعراق.

كل متتبع للسياسة الخارجية والداخلية الأميركية، يخرج بنتيجة ذات مغزى كبير، هي أنه عندما يتكئ الرئيس الأميركي على زمرة من المستشارين الموثوق بهم فقط، فإن ذلك يكون مطية لنشوء ظاهرة التفكير «الجماعي الأحادي»
الرئيس الأميركي ترامب فهم أن البيئة الأمنية الدولية أضحت أكثر تعقيداً من الفترات التي خلت. وهي في حاجة إلى منظرين ومستشارين ذوي بصيرة، أو لنقل إلى استراتيجيين ذوي بصيرة. وصياغة الاستراتيجية فن وعلم معاً، إذ تحتاج إلى دراية وذكاء وعلم حقيقي، ثم إلى بصيرة، «إذ لا شيء أكثر ضرراً من العمل من دون بصيرة»، كما يقول توماس كارليل. أما أن يأتي رئيس بلد أو رئيس حكومة بمستشارين من فصيله السياسي والأيديولوجي فقط أو من فصيل سياسي وأيديولوجي معين وفي عالم متغير، فلن ينجح في الولوج إلى الافتراضات غير المرئية وغير المعلنة، والانسجام السلس للنشاط في مجمله، ولن يحقق النجاح النهائي ولن يتمكن من فهم السياسة والاستراتيجية والتخطيط، وتنفيذها كثلاثة محددات متداخلة في السياسة الخارجية، والعلاقة بين تلك المحددات الثلاثة مترابطة، وتعتمد على درجة تعقيدات البيئة الاستراتيجية، والمستوى الهيكلي للخطر، وطبيعة التخوف، ومؤشرات التوقيت، وبُعد نظر القيادة التي تتربع على أعلى هرم في السلطة، ومختلف الخيارات المتاحة أمامها. والاستراتيجية والتخطيط يجب ألا تتأثر بالأهواء السياسية الضيقة، وإلا فإن مآلها الفشل، إذ يجب أن تخضع لنماذج فكرية منضبطة وقواعد سليمة.
&

&