&&حسن مدن

ليست نتائج الدور الأول من انتخابات الرئاسة في تونس استثناء. في البلدان المعروفة بتقاليدها الديمقراطية العريقة لوحظ في السنوات الأخيرة جنوح الناخبين نحو اختيار وجوه جديدة من خارج الحلقة السياسية المعروفة. وجوه شابة، شعبوية، لا تقدم بالضرورة برامج بديلة تطال البنيان الاجتماعي - السياسي القائم وثوابته، لكنها تتقن مخاطبة مشاعر الناس الضجرة من رتابة الأداء السياسي وعقمه.
شيء من هذا حدث في تونس. الناس ملّت من الوجوه التي تصدرت المشهد السياسي بعد الثورة. لم تجد أنها قدمت بديلاً مقنعاً، ورأت بأم العين تهالك هذه الوجوه، والأحزاب التي تمثلها على السلطة وما تجلبه من منافع ومن تمكين دون الاكتراث بمعاناة الشعب.

هناك خصوصيات تونسية بالتأكيد. هذه النتائج أظهرت الحجم الحقيقي لحركة النهضة، وبددت الأوهام حول قوة مفترضة لها، فمرشحها لم ينل أكثر من 253 ألف صوت، أي ما نسبته 13% من أصوات الناخبين، رغم كل استنفار الحركة لتعبئة أنصارها في التصويت له. مراقبون أكدوا أن بعض مناصري الحركة تمردوا وأعطوا أصواتهم إما لقيس سعيّد أو سيف الدين مخلوف.
لكي نفهم ذلك بصورة أفضل علينا التذكير بأن «النهضة» حصدت في انتخابات 2011 مليوناً و400 ألف صوت، لينقص العدد في انتخابات 2014 إلى 800 ألف صوت، وفي انتخابات البلدية لم تحصد أكثر من نصف مليون صوت. نحن أمام مسار تنازلي جليّ.

بالنسبة لمرشحي ما يوصف ب «القوى الوسطية»، كعبد الكريم الزبيدي ويوسف الشاهد وعبير موسى وغيرهم، نجد أن تزاحمهم على المنافسة فيما بينهم شتت أصواتهم، بطريقة لم تتح لأي منهم بلوغ الدور الثاني، وفي هذا رسالة واضحة، فيما بدا أداء الجبهة الشعبية واليسار عامة شاحباً وغير مقنع، حتى أنه لم يتخط سقف ال 1%.
الشباب التونسي الناقم اختار العزوف عن المشاركة في الانتخابات تعبيراً عن يأسه، ومن شاركوا منهم صوتوا للأستاذ الجامعي قيس سعيّد لأنهم رأوا فيه صوتاً مختلفاً، ودفعت به أصواتهم إلى تبوؤ المركز الأول، فيما ذهبت أصوات الشرائح الفقيرة المهمشة في الأرياف والبلدات البعيدة خاصة إلى رجل الأعمال نبيل القروي.

&