& صالح القلاب

&

غير معروف سبب كل هذا «الخصام» الذي افتعلته «الشقيقة» قطر مع الأردن والذي بقي متواصلاً ومتصاعداً كل هذه السنوات الطويلة سوى أن الإخوة القطريين، والمقصود هنا القيادة وليس الشعب، يظنون أنهم بإمكانهم فرض سياساتهم وتوجهاتهم على الآخرين، وكما هو جارٍ الآن بالنسبة للعديد من الدول العربية القريبة والبعيدة مثل ليبيا واليمن وأيضاً سوريا والعراق والصومال، وسابقاً السودان وقبلها الشأن الفلسطيني، حيث ذهب الشيخ حمد بن خليفة إلى قطاع غزة في عام 2012 لمباركة ذلك الانقلاب الدموي الأسود الذي كانت نفذته حركة «حماس» في عام 2007 على الشرعية الفلسطينية.
لا توجد مناطق جغرافية حدودية متنازع عليها بين الأردن وقطر ولا يوجد خلاف عقائدي على أساس أن الدوحة «مثابة تقدمية وماركسية - لينينية» وأن عمان بؤرة رجعية وعاصمة رأسمالية، وحقيقة أن كل ما في هذا الأمر هو أنّ «الوهم» الزائد على الحدود قد ذهب بالقيادة القطرية الممثلة بـ«الحمدين»، حمد بن خليفة وحمد بن جاسم، إلى أنه بإمكانها فرض وصايتها السياسية على المملكة الأردنية الهاشمية بالأسلوب ذاته الذي تفرضه على التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» وعلى حركة «حماس» وعلى بعض التنظيمات والقوى والأحزاب التي اعتادت على بيع كرامتها ومواقفها في أسواق النخاسة ولمن يدفع أكثر!!

كان على «قطر» ألا تستنزف أموال الشعب القطري على «أوهام» عظمة فارغة، وأن تتصرف كدولة عظمى وبكل هذه الطرق الاستعلائية التي تتبعها والتي جندت من أجلها بعض «المستوردين» من العديد من الدول العربية وأيضاً غير العربية، وذلك في حين أن الأفضل لها لو أنها اتبعت الطرق الصحيحة في اجتذاب احترام الأشقاء والأصدقاء إنْ دولاً وإنْ جمعيات خيرية، وأيضاً إنْ إحزاباً ونقابات وهيئات شعبية وإنْ فصائل فلسطينية فعلية، ولو أنها ابتعدت عن هذه الأساليب والطرق الملتوية التي سترتد عواقبها الوخيمة على الشعب القطري الذي هو في طليعة ركب الطيبين من أبناء هذه الأمة.
لا مصلحة لا لقطر ولا للشعب القطري في فتح أبواب الدوحة على مصاريعها لكل هذه التنظيمات الإرهابية التي بعضها - وهذا إنْ ليس كلها - تؤجر بنادقها لمن يدفع أكثر، ويقيناً أنه كان أفضل ألف مرة لهذا البلد العزيز ولشعبه الطيب ألا يوضع على كل هذه الطرق الشائكة وأن تُصرف خيراته لتحقيق أوهام عظمة فارغة، ويقيناً أن ما يدفع على هذا الكلام هو الحرص على هذا البلد وعلى أهله الطيبين الذين هم الأولى بخيرات وبأموال بلدهم التي إذا كان لا بد من إنفاقها، فإن هناك أشقاء وجمعيات خيرية ومؤسسات اجتماعية وجامعات ومدارس في العديد من دول العالم العربي الذي تعاني شعوب بعض أقطاره معاناة حقيقية في هذا المجال.
وهنا فإن الأردنيين عندما يتحدثون عن مشكلاتهم مع الشقيقة قطر فإنهم لا يجدون سبباً لكل هذا العداء ومحاولات فرض وصاية، لم يستطع حتى الرئيس جمال عبد الناصر، رحمه الله، فرض مثلها عليهم في ذروة تألقه وكان هذا قبل نكبة عام 1967 الكارثية التي لا تزال تعاني منها ومن نتائجها أمتنا العربية.
لقد كان على الأشقاء في قطر أن يدركوا أن «الإخوان المسلمين» لم يُحْتضنوا في أي بلد عربي، حتى بما في ذلك مصر العزيزة، كما احتضنوا في الأردن، ولكنهم ومع ذلك عندما اشتد «نبضهم»، كما يقال، بعد انتصار «إخوانهم» المؤقت في أرض الكنانة، ما لبثوا أن بادروا إلى الاستقواء على الدولة الأردنية اعتقاداً منهم وبتوجيهات شيخهم يوسف القرضاوي المقيم في الدوحة، أن تفاحة «الربيع العربي» ستسقط في أحضانهم، ولذلك فقد كان لا بد من اعتبارهم تنظيماً إرهابياً هدفه السيطرة على الدولة الأردنية بالقوة وبالأساليب نفسها التي كان «الإخوانيون» قد اتبعوها في العديد من الدول العربية والإسلامية.
ثم وإن المعروف أن هذا البلد، قد بادر إلى احتضان حركة «حماس»، عندما اصطكت عليها أضلاع المعادلة الدولية والإقليمية وحصل لـ«مرشدها» السابق موسى أبو مرزوق ما حصل له في الولايات المتحدة وأيضاً عندما تعرض خالد مشعل لمحاولة الاغتيال التي قام بها «الموساد» الإسرائيلي، لكن ومع ذلك فإن هؤلاء قد تنكروا لكل هذا وبدأوا يتآمرون على الأردن بالاستناد إلى ارتباطهم بـ«التنظيم العالمي» الإخواني أكثر من ارتباطهم بفلسطين وبالقضية الفلسطينية، ولذلك فقد كان لا بد مما ليس منه بد باتخاذ قرار إبعاد قيادتهم من الأراضي الأردنية.
والآن فإن «الشقيقة» قطر، التي كانت أدارت ظهرها للعرب القريبين والبعيدين والتي تخلت عن دائرتها الخليجية والتحقت بإيران «الخمينية»، رغم تدخل هذه في شؤون العرب الداخلية واحتلالها الشائن لثلاث دول عربية، تحاول استدراج الأردن، لاستعادة علاقاته السابقة بـ«الإخوان المسلمين» وبحركة «حماس» والواضح، حتى الآن، أن هذه الخطوة مستبعدة جداًّ طالما أن واقع هذه المنطقة هو هذا الواقع الحالي وأن هناك معادلات دولية لا بد من أخْذها ودائماً وأبداً في الاعتبار.
وكذلك فإنه لا بد من الإشارة إلى أن أي انفتاح على «الإخوان» وعلى «حماس» يتطلب حسابات إقليمية ودولية، وأيضاً حسابات داخلية كثيرة ودقيقة ومع التأكيد على أن «القطيعة» مع الأشقاء لا يجوز أن تطول ولكن مع الحذر الشديد من أي تآمر ومؤامرات وألاعيب سياسية كتلك التي دأبت قطر على اتباعها!
ثم وما دامت أبواب العتاب الأخوي قد فتحت على مصاريعها فإنه على الأردن أن يُذكّر «الأشقاء» القطريين بأنه صاحب تجربة قاسية معهم وأنهم إذْ يتوددون إليه الآن ويلوحون له بمساعدات «مجزية»!! فإن عليهم أن «يتذكروا» أنهم لم يدفعوا حصتهم من المنحة الخليجية المعروفة رغم مرور كل هذه الأعوام الطويلة.
لكن ورغم ذلك وفي كل الأحوال فإنه وفي مثل هذه الأمور لا بد من الأخذ بتلك الحكمة القائلة: «تفاءلوا بالخير تجدوه»، وحقيقة أن الأردن صاحب التجارب الكثيرة قد بقي يتبع تفاؤلاً مطلقاً مع كل أشقائه العرب ومن بينهم قطر، التي وللأسف بقيت تذهب بعيداً عن إطارها العربي والانخراط في تحالفات إقليمية قد ثبت أنها ضد العرب والأمة العربية.
ثم وإنه في مثل هذه الظروف القاسية التي يمر بها عالمنا العربي بكل دوله فإنه لا بد من وقفة مع الذات، وأنه لا بد من مراجعة صادقة للمسيرة القومية كلها وبعيداً عن المناورات والألاعيب السياسية ومع التذكير بأن الذئاب تستهدف الشاة «المطرفة» وأن الأشقاء القطريين قد ابتعدوا كثيراً عن إطارهم العربي وعن دائرتهم القومية، ويبقى أنه لا بد من القول: إن ماضي العلاقات الأردنية - القطرية يطفح بالمرارة وللأسف وأننا بانتظار ما سيكون عليه المستقبل مع هذه الدولة الشقيقة!!
وهكذا وفي النهاية فإنه على قطر «الشقيقة» أن تدرك أنَّ «آيات الله» أصحاب «تقية» وأنهم يبطنون غير ما يظهرون، وأنهم عندما «يستنفدون» ما يريدونه من «الدوحة» فإنهم سيكشفون عن حقيقتهم، وحيث إن كل ما يفعلونه الآن يؤكد أنهم يعتبرون هذه المنطقة العربية مجالاً حيوياًّ لهم وأنهم مصممون على تحقيق «هلالهم الطائفي» الذي أنجزوا الجزء الأساسي منه وللأسف.