عبد الحميد العمري&&

أرض عربية تتحدث: آلاف الأعوام التي مرت على علاقتي بهذا الإنسان في هذا الجزء القديم من العالم، احتضنت ولادته الأولى وحضاراته وحروبه وبناءه ودماءه وكل ما استخلف عليه طوال تلك الأعوام المتعاقبة، الضارب جذرها في أعماق أعماقي، ووصل شعاعه المنير إلى كل شبر من أنحاء العالم كاملا.

أتاها سيدنا إبراهيم -عليه السلام- حاملا زوجته وابنه، ثم رحل وتركهما أمانة في قلبي وقلب الأرض كلها، وأعاده الله رب العزة والجلال مرة أخرى ليشيد وابنه إسماعيل -عليهما السلام- بيت الله الحرام، وانبثق نور من السماء في مكة المكرمة أضاء كل الكون. ثم أرسل الله من بطن مكة سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- حاملا رسالة الإسلام الخالدة إلى كل البشرية، ومضى معه ومن بعده - عليه الصلاة والسلام والتسليم - أبنائي وبناتي حاملين نوره بكل أمانة لكل شبر تصل إليه قدم الإنسان، واحتضنت جثمانه الطاهر المطهر في مدينتي المنورة، وأصبح على ثراي المقدس أطهر بقعتين في الكرة الأرضية الحرمين الشريفين.
امتزجت تضحيات وكفاح دماء أبنائي وبناتي في حضني طوال تلك القرون بإشراق نور الإسلام، ولم تتوقف لحظة من لحظات ذلك التاريخ الطويل عن طلب العلم والمجد والسؤدد، وكنت أشاهد كأم حانية على أبنائها؛ كيف أنهم سرعان ما يستعيدون ارتباطهم بدينهم وهويتهم وحضارتهم في وجه أعدائهم وغزاتهم، فيقلبون حزني وكمدي عليهم إلى فرح وانتصار وخير ونماء، هؤلاء أبنائي الذين عهدتهم منذ آلاف الأعوام، أحبوني حبا جما على الرغم من جدبي وحرارة أجوائي الشديدين، وعلى الرغم من قساوة وشظف العيش، تمسكوا بكل شبر مني، طلبتهم أنحاء المعمورة من كل حدب وصوب، وأبوا إلا أمهم العربية الخالصة العروبة.

ثم كانت استعادة الدين والتوحيد ووحدة الوطن على يد الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله- ولتبدأ من ثم رحلة مجد جديدة عنوانها "توحيدي" لله وحده لا شريك له، ووحدة الإنسان على ثراي العتيق، واجهت أعداءها وخصومها الأشداء بكل إيمان وصلابة، وسرعان ما إن تسقط إلا وقد عادت أقوى من ذي قبل إلى أن أمسك بزمامها ابني العظيم عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، مشيدا مع رجاله المخلصين وطنا عظيما أثبت ثقله في ميزان العالم بأسره.
أحببته أكثر في خضم حروب عالمية طاحنة، احتدم شرها العملاق بين أمم ودول الأرض كلها، وذهب ضحيتها عشرات الملايين من البشر، أحببته وهو الذي احتضن على ثراي أشتات بشر هم أبنائي وبناتي أيضا، تفرقت بهم السبل، وتضعضعت أحوالهم فقرا وفاقة ونزاعات لا طائل منها، فجمعهم جميعا تحت راية التوحيد، وأرسل بوحدتهم العظيمة رسالة واحدة لكل أنحاء الأرض: هنا المملكة العربية السعودية.
سمى أمه الأرض هكذا، فأهديته بفضل من الله ورحمة منه أغلى كنوزي، وقامت جوهرة أبنائي تصعد وترتقي خطوة بعد خطوة في خضم تقلبات الأمم والدول، واجهت أعداءها جولة بعد جولة، والنصر والتأييد لها من الله، كان هو الحسم والختام، مضت منتصرة يتساقط تحت أقدامها الأعداء والخونة وكل من سولت له نفسه بالسوء من القول أو العمل، لا يضرها من ذلك إلا ما كتب الله لها ابتلاء وامتحانا، قابلته بحكمة قيادتها ومعها بعد توفيق رب العزة والجلال أبنائي وبناتي المخلصون، وبالصبر والاحتساب والطموح نحو أمجاد أعظم وأكبر.
حمل لواء التوحيد بعد ابني البار الحبيب عبدالعزيز أبناؤه النجباء، واليوم ها هو بيد ابنه الهمام النجيب سلمان وبيد حفيده محمد أيدهما الله بتأييده منطلقين برؤية جديدة تستهدف مزيدا من الإنجاز البشري على ثراي، ومزيدا من التقدم والحضارة والتفوق بين صفوف الأمم والدول.
أبنائي وبناتي: هذه أرضكم وسماؤكم، هذه أغلى ما خلقه الله على أرضه التي استخلفكم الله على بنائها بكل ما أوتيتم من قوة وعزم وصبر وطموح، إنها أرض ضارب مجدها وحضارتها في التاريخ بآلاف الأعوام، وأنتم بتوفيق من الله رب العزة والجلال؛ أهل للاستمرار في بنائها وحمايتها وانتصارها تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين أيدهما الله.
لكم الأمجاد والنصر والإنجازات وتحقيق الطموحات والأحلام فأنتم أحفاد من سبقكم على الطريق ذاته، ولخصومكم الخسران والذل والهوان، امضوا على بركة وتوفيق من رب العزة والجلال نحو آمالكم وطموحاتكم المجيدة، اعزموا أمركم بكل ما أوتيتم من قوة وإيمان وعزم على التقدم والحضارة والارتقاء إلى أعلى في سلم الأمم والدول. والله ولي التوفيق.