عبدالرحمن الطريري

احتفلت إيران في الأيام الماضية بما يسمى أسبوع «الدفاع المقدس»، وذلك في الثاني والعشرين من سبتمبر، وهي ذكرى دخول القوات العراقية للأراضي الإيرانية في عام 1980، واللافت ابتداء أن إيران تعتبر دفاعها المقدس مرتبطا بمعركتها مع طرف عربي، وليس المقدس معركة مع طرف غربي أو إسرائيل.

وفي اليوم التالي وبالتزامن مع اليوم الوطني السعودي، خرج خطاب للسيد حسن نصرالله يهاجم فيه المملكة، وهذا هو المعتاد، أما اللافت بالأمر فهو خروج هذا الخطاب من مكتب السيد على الخامنئي، وهذه رسالة إلى كل المتخاذلين أو أصحاب النوايا الحسنة، الذين يعتقدون أن لحزب الله أو للحوثيين قرارا مستقلا عن المركز ولو بنسبة بسيطة، وبالتالي يتوقعون من حزب الله النظر في مصلحة لبنان قبل أو حتى بالتوازي مع مصلحة طهران.

وفي كلمة بمناسبة أسبوع الدفاع المقدس، قال روحاني بصيغة توحي أننا نستمع لمسؤول سويسري، «يد الصداقة والمودة الإيرانية ممدودة نحو جيرانها ومستعدة للتجاوز عما سلف من أخطاء»، ولا أدري لما لا يسحب يده الثانية الممتدة بالعبث والتخريب ودعم الطائفية ونشر الإرهاب، ويُبقي يديه الاثنتين عنده.

هذا التصريح لروحاني أتى بعد يومين من تصريح مهدي المشاط رئيس ما يسمى المجلس الأعلى للحوثيين، الذي تعهد فيه بوقف إطلاق نار من طرف واحد، كبادرة حسن نية تجاه السعودية، والتصريح الحوثي يأتي عقب إدعائهم بالمسؤولية عن استهداف محطتي بقيق وهجرة خريص، مما يؤكد على أن الخطابات توزع بمركزية أكبر خلال الأزمة ومن مكتب المرشد كله، وهي مرتبطة بشكل رئيسي بردات الفعل الدولية على استهداف المنشآت النفطية.

وبالنظر إلى ردات الفعل الدولية فيبدو أن أكثر المتشائمين في طهران، لم يتوقع أن تتسبب هذه الهجمات في تغير كبير في الرأي العام ضد إيران من كثير من الدول التي كانت في المنطقة الرمادية، وعمليا أبعدت إيران طاولة المفاوضات عنها التي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستميت ليرعاها.

فرنسا نفسها ذكرت اسم إيران لأول مرة منذ بداية الاعتداءات الإيرانية على ناقلات النفط في الخليج مايو الماضي، حيث كانت البيانات تستنكر فقط دون ذكر «إيران»، ألمانيا والتي دائما ما كانت أقرب لوجهة النظر الإيرانية، كان تصريح ميركل بأن رفع العقوبات قبل المفاوضات أمر غير واقعي، مما يعني اقتناعا بأن العقوبات «بالطريقة الترمبية»، تبدو اليوم أنها أحسن وسيلة لإنضاح طاولة مفاوضات تفضي لحل يلغى فكرة امتلاك سلاح نووي تماما، والأهم أوروبيا أن يوقف تطوير الأسلحة البالستية التي تصل اليوم في مداها إلى شرق أوروبا.

آسيويا كان هناك رفض لهذا العمل من قبل كوريا الجنوبية، وأعلن شوانزو آبي رئيس وزراء اليابان في كلمته أمام الأمم المتحدة، أن الهجمات على منشآت أرامكو عمل خسيس، يسعى إلى جعل الاقتصاد العالمي رهينة، والموقف الياباني والفرنسي مهمان لأنهما سعيا للعب دور الوسيط في هذه الأزمة، قبل أن يصبح الطرف الإيراني عبئا عالميا.

اليوم وبعد الضربة قامت الولايات المتحدة بوضع عقوبات على البنك المركزي الإيراني، وهي عقوبات غير مسبوقة من أي إدارة أمريكية، ومن المتوقع أن يكون لها أثر كبير وسريع، ولنتذكر أن العقوبات بدأت على إيران في نوفمبر الماضي أي قبل عشرة أشهر، والعقوبات بشكل كامل «تصفير الصادرات النفطية» بدأت منذ أربعة أشهر، هذا يؤكد أن العقوبات مؤثرة بشكل لا يمكن للنظام الإيراني أن ينتظر حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة نهاية العام المقبل.

المؤشرات على الوضع المتردي الذي وصل له الاقتصاد الإيراني، تظهر في السعي الكبير للحصول على خط ائتماني بـ15 مليار دولار من الأوروبيين وقد فشل هذا المسعى، والمؤشر الثاني تكرار الحديث عن الموافقة على الجلوس للمفاوضات إذا رفعت العقوبات أو حتى خففت، وهي لعبة خبيثة لشراء الوقت، ولعل العقوبات التي أعلنتها واشنطن على شركات صينية مؤشر إضافي على الجدية في إستراتيجية الضغوط القصوى.

لا شك أن استهداف منشأتي النفط السعوديتين، كان خطأ استراتيجيا فادحا لإيران، قضى على فرصة روحاني للتظلم أمام الأمم المتحدة من جور العقوبات، وبدأ في تحويل رأي عام محايد سابقا ليصبح مضادا لإيران، وكان الوجع الأكبر نجاح شركة أرامكو بالتعامل مع هذا الحادث بكل احترافية والعودة لمستويات تفوق 11 مليون برميل يوميا.

* كاتب سعودي