& محمد الصلاحي

لا توجد حرب لا تخسر فيها أطرافها من عدتها وعتادها وجنودها، الخسارة هنا نتيجة طبيعية لأي حرب يتبادل طرفاها القتال، غير أن الطرف الأكثر هزائم وخسارة في الواقع، يلجأ إعلامياً إلى ترويج النقيض للتغطية على هزائمه في الواقع. وهذا ما تفعله المليشيا الحوثية.

أعلن الحوثيون قبل أيام في ادعاء زائف عن أسر جنود ثلاثة ألوية في الجيش الوطني في كتاف بصعدة بكامل عتادها، بمنتهى البساطة جمعوا وطرحوا وضربوا ومثّلوا ودبلجوا وأسفر الناتج عن تعداد ثلاثة ألوية بما يقارب آلاف الجنود، كانت العملية حسب ادعائهم قبل شهر، والإعلان عنها بعد شهر، بالتمام والكمال كتم الحوثي فرحته وسروره بهكذا ادعاء لشهر كامل، وهو الذي يسارع حالاً وفوراً لتبني ما لم يفعله للظهور بمظهر القوي كالهجوم على معملي أرامكو، ولا يمكن لمن يتبنى - للتباهي- ما لم يفعله، أن يصمت شهراً على التباهي بما ادعى أنه فعله، وهذا أمرٌ يفند في جوهره مزاعم المليشيا، وفترة الشهر ما بين مزاعم الفعل وإعلانه لم تكن سوى فترة كافية للإعداد المناسب لرواية لم تكن مناسبة على الإطلاق.

يلجأ الحوثي عادة لإضفاء مشهد يُراد من خلاله الإيحاء بحقيقة مزاعمهم، لا يدرك أن محاولة إثبات ادعاء ليس مثبوتا هو تأكيد لنفي حصوله، فالتموضع على مقود عربة عسكرية للجيش الوطني تم اغتنامها في جبهة ما لا يعني انتصاراً، وأسر جندي هنا وهناك لا يعني أيضاً تحقيق النصر، فمن الطبيعي حصول هذا في هذه الجبهة أو تلك، الانتصار هو أن يكون الأداء على الميدان في تقدم مستمر وليس في تراجع دائم، فالحرب التي بدأت والمليشيات تحكم سيطرتها على عدن وباب المندب، باتت اليوم تخوض معارك خاسرة للدفاع عن معقلها في صعدة بعد تحرير كثير من المناطق التي كانت تُسيطر عليها، وهذا المعيار الأمثل للحكم على مسار الحرب.

الحرب جولات، لم تكسب المليشيا فيها أبداً، فكل منطقة لا زالت تحت سيطرتها يتم تحريرها يوماً عن آخر، هذا المشهد اليومي للحرب، ولم يحصل قط عكسه أن تُسيطر المليشيا على مناطق كانت مع الجيش الوطني، وجولات الحرب هذه التي يخسرها الحوثي باستمرار يكتفي بتعويض خسارته فيها بتصوير عربة عسكرية معطوبة، وربما هذا مفهوم الحرب لديه، أن يلتقط صورة يُبرهن بها لأتباعه بقايا قدرته على تحقيق شيء ما.

تستطيع إيران أن تمد المليشيا الحوثية بسلاح نوعي، تستطيع أن تبعث بخبراء لتدريب عناصرها، وأن تتبنى دعمها إعلامياً وسياسياً، لكنها لا تستطيع منع خسائرها الميدانية التي تتزايد، ولا منع خسارتها للمناطق التي تُسيطر عليها، دلائل الأرض هي التي ترسم مسار المعركة، ومسار المعركة هنا تحدده الانتصارات التي يحققها الجيش الوطني في كل الجبهات مدعوماً من التحالف العربي بقيادة المملكة.

في جوابه حول هذا الأمر، نفى وزير الإعلام اليمني مزاعم المليشيات، وقال إنها استعارت مشاهد لعملية التفاف سابقة فاشلة حول كتائب في أحد الألوية، تمكن حينها الجيش وقوات التحالف من التعامُل مع عناصر المليشيا، وكذلك قال المتحدث الرسمي باسم التحالف إن «ما ادعته المليشيا لا يستحق الرد، ولا يمت للحقيقة بصلة» وهذا الجواب المناسب لادعاء زائف، وإذا كان الناطق باسم المليشيات متفرغا لبث الشائعات فليس من واجب ناطق التحالف مجاراته في الرد على شائعاته، ففي مجريات الحرب ما هو أهم من تفنيد إشاعة.

يخوض الحوثي حربه إعلامياً أكثر منها عسكرياً، لذلك لا يعلن عن هزائمه إلا بعد هزائم أخرى يتعرض لها، فيعترف بالأولى للتغطية على الأخيرة، ثم يعترف بالأخيرة للتغطية على هزيمة جديدة تعرض لها، وهكذا دأب، فلم يعلن هزيمته في عدن إلا بعد تحرير محافظة لحج، ولم يقر بهزيمته في لحج إلا بعد تحرير أبين، ولم يعترف بهزائمه في الساحل الغربي إلا بعد وصول الجيش الوطني إلى مشارف الحديدة، ولن يعترف بتحرير أجزاء واسعة من محافظة صعدة التي باتت مسرحاً لعمليات الجيش الوطني مسنوداً من التحالف إلا بعد وصول الجيش إلى المعقل الأول له في جبال مران بصعدة، وحينما تتحرر «مران» ربما يظهر عبدالملك الحوثي من طهران ليعلن صموده!
&&