&مالك العثامنة&&

&&

ليست كل حالات الهجرة العربية ( طوعية كانت أو لجوءا) سلبية، بل على العكس، فالصور السلبية التي ما ينفك الإعلام يذكرها كأخبار هي النسبة الأقل في المجتمعات العربية المهاجرة، لكنها تطغى «خبريا» فقط لأنها خارج المألوف أولا، ولأن هناك من له مصلحة بترسيخ ظاهرة «العرب فوبيا» أكثر من الإسلام فوبيا.

لكن على الجانب الآخر، ذلك الجانب الهاديء والعميق من النهر، هناك قصص نجاح مرت عليَّ أنا شخصيا، بدأت من الصفر وقد خسرت كل شيء، أو وصلت مهاجرها الأوروبية بلا شيء، وبعد اندماج ناجح بدون الانسلاخ عن ثقافاتها، استطاعت بعد سنوات من الدراسة والعمل الدؤوب والتدريب والتحمل أن تبدأ حياة جديدة، وكثير منهم ممن أعرفهم من شباب وشابات خصوصا، أسمعهم يتحدثون عن خطط طموحة لشراء بيت، وهو حق مشروع ما كانوا ليحلموا به في أوطاننا العربية المسكونة بالقهر والفقر والفساد.

أقول أنَّ الأكثرية من فئة الشباب، والحقيقة أن كثيرا منهم بالكاد كان يبلغ الثامنة عشرة حين وصل إلى مستقره الأخير في بلدان أوروبا، هم اليوم يتحدثون لغة تلك الأوطان الجديدة، لكنهم يفطرون على الزيت والزعتر، ويقتلهم الحنين لكن لا يمنعهم أبدا من مواصلة العيش والحياة ما استطاعوا إليها سبيلا.

يشاركون في حفلات الموسيقى الغربية بفرح وبهجة، لكنهم يحملون أغانيهم معهم فيفرح لها الحاضرون من غير العرب أيضا.

يعملون في المطاعم، يمسحون الصحون ويدخلون في دورات مسائية مكثفة لتعلم مهن جديدة حسب اختيارهم، ومنهم من يدخل الجامعات ليكمل تعليمه إلى الحد الذي يريد، وينافسون في سوق العمل بجدارة، ويحبون أن يشركرا أوطانهم الجديدة بالالتزام بالقانون ودفع الضرائب، فهم يتنفسون الحرية، والمواطنة الحقيقية، وهي التي تعني حقوقا تقابلها واجبات.

أعرف من بينهم وكلهم نماذج أوروبية ــــ عربية رائعة، من أتى يوما قبل عشر سنوات إلى بلجيكا، وكان يتيما وأميا لا يقرأ ولا يكتب بلغته الأم، ولا مهنة لديه، فاستقبلته بلجيكا وأعطته كفاف يومه مساعدات مالية، فدخل مدرسة اللغة صباحا وعمل في أسواق الأدوات المستعملة أجيرا، وانتهى متعلما اللغة الهولندية قراءة وكتابة بإتقان، وهو الآن مسؤول عمال في احد أكبر مصانع السيارات في أوروبا وقد تزوج واشترى بيتا وسيارة.

كلما أراه، أشعر أن الضمير الأوروبي معه تحديدا كان يطبق الآيتين القرآنيتين: (فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر)، لتنتهي آية أخرى في قول المولى عز وجل( وأما بنعمة ربك فحدث).