&علي قاسم

الواقع العملي سيفرض على الأحزاب، في المركز الأول والثاني، البحث عن حلفاء، وبالتالي أن ينقسم المشهد السياسي إلى كتلتين.. كتلة تحكم، وأخرى تراقب من مقاعد المعارضة.

&لا يوجد حزب واحد يمتلك حلولا سحرية للأزمات التي تواجهها البلاد

المشهد الانتخابي التونسي الذي بدا حتى اللحظة الأخيرة مشتتا ومحكوما بالفوضى، تكشف بعد ظهور النتائج الأولية، أكثر وضوحا، ومقسما بين كتل واضحة المعالم، لا يختلف في ذلك عن المشهد السياسي في أي دولة تحمل تقاليد عريقة في ممارسة الديمقراطية.

محافظون وليبراليون ووسط، امتثل جميعهم للآليات الديمقراطية لتداول الحكم، حتى وإن لم يؤمن بها البعض منهم.

النتائج كما كان متوقعا، لم تكشف عن فائز، هناك من جاء في المركز الأول، والمركز الثاني، ولكن لا يوجد طرف حصل على أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده. لا بد من التحالفات.

الواقع العملي سيفرض على الأحزاب، في المركز الأول والثاني، البحث عن حلفاء، وبالتالي أن ينقسم المشهد السياسي إلى كتلتين.. كتلة تحكم، وأخرى تراقب من مقاعد المعارضة.

فرحة الفوز بالمركز الأول، لم تحجب عن حركة النهضة هذه الحقيقة، ليسارع رئيسها راشد الغنوشي، في مؤتمر صحافي، إلى الإعلان عن الحاجة إلى “شركاء”.

وعلى العكس مما هو متوقع، لم يوجه الرسالة إلى الأحزاب المحافظة، التي تنتمي إلى نفس العائلة، بل اختار أن يوجهها إلى رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، معلنا دعم الحركة لحكومته، تمهيدا، كما قال، لتشكيل حكومة شراكة تتكون من التكنوقراط.

رسالة الناخب التونسي إلى السياسيين واضحة، أكدت حركة النهضة أنها استوعبتها، التونسيون متمسكون بالثورة، ولكنهم غير راضين عن الحكومة، وأن التحدي الذي ستواجهه أي حكومة مستقبلية هو تحد اقتصادي واجتماعي بالدرجة الأولى.

لا يوجد حزب واحد يمتلك حلولا سحرية للأزمات التي تواجهها البلاد، ما تحتاجه تونس هو برنامج مشترك لمقاومة الفساد والفقر.

رسالة الناخب التونسي إلى السياسيين واضحة

الأحزاب التي ادعت امتلاك الحل السحري خرجت من المعادلة السياسية، رغم سنين النضال الطويلة. هذا ما حدث لليسار التونسي، الذي اختار التنظير وادعى معرفة الحقيقة المطلقة. بينما، وبذكاء، تنصل اليمين من هذا الادعاء، الذي ارتبط به تاريخيا، ليعلن حاجته إلى شركاء تكنوقراط يمكنهم تسيير الحكومة.

سبق للتونسيين أن خبروا مثل هذه الحكومة التي جمعت بين أقطاب سياسية متنافرة، واعتقدت أن تسيير البلاد بحكومة تكنوقراط هو الحل الأمثل، لتنتهي بالفشل الذريع، لم تستطع مثل تلك الحكومة أن تحل مشاكل تونس.. لماذا؟

العيب ليس في حكومة التكنوقراط، وإنما في القوى السياسية التي تقف خلفها. تحولت الحكومة إلى مسرح للدمى تسيطر عليها أياد خفية تحركها وفق مصالحها الذاتية، ولأن تلك المصالح متضاربة، فشلت التجربة. مصلحة تونس تقتضي تجنب صفقة تنتهي بضم أحزاب معارضة للحكم. الحكومة القادمة، إن أريد لها النجاح، يجب أن تسير من قبل كتلة متجانسة، تقابلها كتلة معارضة قوية ومتجانسة هي الأخرى.

أهمية المعارضة في الحكم لا تقل عن أهمية الأحزاب التي تسير الحكم، إن لم تكن أكثر أهمية. إنها حكومة الظل (كما تسمى في بريطانيا)، “المعارضة الوفية” التي تحمي الحكومة من الخطأ، وتحمي حقوق الناخب أيضا.

محافظون، أو ليبراليون، أو وسط، كل يمتلك الفرصة لاختيار التحالفات التي تمكنه من تشكيل حكومة لها لون واحد، أو يقبل وجوده في صفوف المعارضة. أي تداخل بين الكتل، وإن كان مبنيا على حسن النوايا، سينتهي إلى سياحة حزبية أصبحت مكروهة من قبل التونسيين، باعتبارها مطية للانتهازيين.

أثبت التونسيون على الرغم من الأزمات أنهم قادرون على تقديم المفاجآت. وأن البلد الصغير الذي لقن العالم درسا في ممارسة الديمقراطية واستقلالية القضاء، قادر على استنباط النموذج المناسب للخروج من عنق الزجاجة.

ما حدث في الانتخابات الرئاسية التي أوصلت مدرّسا أكاديميا، لم يكن معروفا في الميدان السياسي، ورجل أعمال موقوفا في السجن، إلى الدور الثاني، تجربة سيتذكرها التاريخ وتحسب للتونسيين.

&