&محمد كركوتي

"الدعم غير المشروع لـ(إيرباص) ألحق ضررا بالغا بنا"
روبرت لايتهايزر، الممثل التجاري الأمريكي

في حين ينظر العالم إلى ما آلت إليه المفاوضات التجارية البائسة بين الولايات المتحدة والصين بقلق بالغ وتشاؤم متعاظم، عادت رحى المعارك التجارية بين واشنطن وعدد من العواصم الأوروبية إلى الواجهة. ما عزز القناعة بأن "الانفراج" الذي حدث في العلاقات الأمريكية - الأوروبية خلال قمة مجموعة السبع الأخيرة التي عقدت في فرنسا، لم يكن سوى فقاعة، أو على الأقل كان ضرورة لعدم تفجر القمة نفسها. فقمة "السبع" التي سبقتها العام الفائت في كندا، انتهت بفشل ذريع بل بفضائح على الهواء مباشرة عندما سجلت الكاميرات جدلا منقطع النظير بين القادة الأوروبيين من جهة والرئيس الأمريكي دونالد ترمب. كان لا بد لقمة فرنسا أن تنتهي بأقل الأضرار الممكنة، ولا سيما في عز استفحال الحرب التجارية بين واشنطن وبكين.

استخدم المسؤولون الأمريكيون والفرنسيون في بداية العام الجاري ألفاظا من النادر استخدامها بين السياسيين علنا، بما في ذلك وصف ترمب لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"الغبي"، ووصف الأخير لترمب بـ"الجاهل"، ناهيك عن المفردات المشابهة التي أطلقها مسؤولو الطرفين على بعضهم بعضا علنا أيضا. لكن "قمة باريس" الصناعية للدول الكبرى خففت كثيرا من أجواء التوتر و"الردح" بين الطرفين إلا أنها لم تنه المشكلات العالقة بينهما. صارت اللغة دبلوماسية أكثر رغم الخلافات، في حين بقيت التشنجات التجارية على حالها، بل أخذت أشكالا خطيرة في الأسابيع القليلة الماضية، مع عودة تهديدات الطرفين بفرض رسوم تجارية إضافية على سلع بعضهما بعضا تصل إلى 10 في المائة وتقدر بمليارات الدولارات.

باريس العاصمة الأوروبية التي اتخذت زمام المواجهة مع واشنطن، لا تتردد في اتباع مواقف متصلبة إزاء التهديدات التجارية الأمريكية. فالبيت الأبيض يرى أن بلاده مظلومة على الصعيد التجاري مع أوروبا كلها "بما في ذلك ألمانيا بالطبع" بما في ذلك الدعم الذي تتلقاه شركة إيرباص لصناعة الطائرات من المفوضية الأوروبية. وهذه النقطة تمثل حجر الزاوية بالنسبة للتوجه الأمريكي بهذا الشأن، تماما فيما تمثل واردات الولايات المتحدة من المشروبات الفرنسية. فهذه الأخيرة صارت أيضا مستهدفة برسوم قد تفرض عليها قريبا جدا من الجانب الأمريكي.

ولن تكتفي واشنطن بفرض 10 في المائة كرسوم إضافية على الطائرات الأوروبية، و25 في المائة على المنتجات الزراعية والصناعية الأخرى. بل أكدت أن قوانين منظمة التجارة العالمية تجيز لها فرض رسوم إضافية تصل إلى 100 في المائة.
أوروبا "كما الصين" باتت مستعدة الآن أكثر من أي وقت مضى لفرض رسومها الجمركية الإضافية على السلع الأمريكية. وكانت قد فرضت بالفعل ضرائب إضافية على شركات التكنولوجيا الأمريكية، وهذه خطوة عدها دونالد ترمب بمنزلة إعلان حرب. فهذه الضرائب "من وجهة نظر واشنطن" من حق الولايات المتحدة، أي أن الأخيرة هي المؤهلة لفرضها وتحصيلها، وعلى هذا الأساس، الساحة جاهزة لنشوب حرب تجارية بين طرفي المحيط الأطلسي، هي تدور حاليا على شكل معارك متفرقة. والمشكلة الكبرى هنا ليست على أطراف الحرب بل على الاقتصاد العالمي ككل، الذي يعاني تباطؤا شديدا يهدد بدخوله دائرة الركود، لم توفر الجهات الاقتصادية الدولية مناسبة إلا وحذرت من مصائب هذا الركود المتوقع.

المهم الآن هناك مفاوضات بين الولايات المتحدة وأوروبا ستنطلق في موعد لم يحدد بعد بين الطرفين حول الجانب الخاص بصناعة الطائرات. وهي القضية الأكثر حضورا في الوقت الراهن. لكن المشكلة أن هناك خلافات حادة لا تقل شدة حول سلع أخرى صناعية زراعية، وهذه الخلافات لن تشمل المفاوضات المزمعة حاليا. ما يعني أن المشكلات العالقة ستظل عالقة بين الطرفين اللذين من المفترض أنهما حلفاء عبر التاريخ! والمفاوضات نفسها لا تبشر بالخير، إذا ما قورنت بالنتائج الغائبة للمفاوضات المماثلة التي تجري بين بكين وواشنطن منذ أكثر من 15 شهرا. فهذه الأخيرة لم تؤد إلى شيء بل على العكس تماما فرضت رسوما جمركية إضافية على سلع الطرفين وهم في عز المفاوضات. إذا كان العالم لا يتحمل استمرار الحرب التجارية الأمريكية - الصينية حاليا، علينا أن نتخيل وقع الهموم والمصائب على الاقتصاد العالمي في حال تحول المعارك التجارية بين واشنطن وأوروبا إلى حرب تجارية شاملة. والأهم من هذا، دفع هذا الاقتصاد إلى دائرة الركود. من المقرر أن تفرض الولايات المتحدة رسوما "عقابية" على الاتحاد الأوروبي اعتبارا من الـ18 من الشهر الجاري، وهذا يعني أن أي مفاوضات لا بد أن تخرج بشيء إيجابي قبل هذا الموعد القريب جدا. وإذا ما نشبت "الحرب" بين الطرفين الحليفين، سيصعب بالتأكيد السيطرة عليها في فترة زمنية قصيرة، علما بأن الاقتصاد العالمي هش إلى درجة أن أي "نسمة" تجارية وسياسية سلبية ستضربه بقوة، وتدفعه نحو الركود المخيف.

&