&علي محمد فخرو

&

جيل شبابي عربي يراقب ويتعلم مما يجري في هونج كونج وباريس ولندن وواشنطن، وما تطرحه حراكات شباب العالم من شعارات إنسانية كبرى
ما إن تتحرك جموع الشباب العربي، فتيانه وفتياته، وتنزل في شوارع مدن هذا القطر العربي، أو ذاك، رافعة مطالب معيشية، وسياسية، وحقوقية، واقعية وشرعية، حتى تنبري جهات كثيرة لإثارة الشكوك وتوجيه اللوم، وتأليف الاتهامات المتخيلة.
فجأة، تفتح أنظمة الحكم عيونها، بعد أن تعايشت عبر سنين مديدة مع تواجد الغنى الفاحش مع الفقر المدقع المذل في مجتمعاتها، وبعد أن تجاهلت قنبلة ارتفاع نسب البطالة بين الشباب سنة بعد سنة من دون أمل في حل، وبعد أن تنازلت عن مسؤولياتها في توفير خدمات الرعاية الاجتماعية في حقول التعليم، والصحة، والسكن، والعمل، وبعد أن أنفقت الجزء الأكبر من الميزانيات على أجهزة الأمن والاستخبارات، والعساكر، والأسلحة، والإعلام المنافق، وعدد لا يحصى من شركات واجتماعات وحفلات العلاقات العامة الانتهازية. وبعد أن تعايشت مع كل ذلك، وتجاهلت آلام وأحزان ويأس أولئك الشباب تفتح متأخرة عيونها المغمضة الناعسة لتنطق بوعود تكوين اللجان، وتوجيه البرلمانات الخائبة، والنظر في تحقيق مطالب الشباب، ولكن مع صمت مريب عن معاقبة الفاسدين، واسترجاع الثروات المنهوبة، وبناء نظام سياسي واقتصادي عادل على أسس تقدمية وديمقراطية.
ولا يستطيع الإنسان أن يفهم كيف أن حكومة وبرلماناً موبوءان بجراثيم الفساد واللامبالاة يستطيعان أن يستجيبا لمطالب حقوقية جذرية كالتي يرفعها الشباب. هنا الشك الكبير في الوعود.
أما الجهات الاستخباراتية المحلية والخارجية، فإنها تقوم بمهمة تجييش قواها وقوى زبائنها للقيام بحملات تشويه واتهامات عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي. وهكذا يجد الشباب المحبطون أنفسهم أمام اتهامات بالعمالة لهذه الجهة، أو تلك، وبالطائفية لهذه المرجعية، أو تلك، وبالتواطؤ مع منظمات حقوق أو مراكز دراسات دولية. ويا ويل الحراك الشبابي في حالة ارتكاب بعضهم خطأ، أو هفوة. عند ذاك يوصم الحراك برمته كخطر شيطاني على السلم الأهلي، والاستقرار المجتمعي، والاقتصاد والسياحة، لإثارة الخوف في صفوف مناصريه من عامة المواطنين.
لكن انتهازية التصدي لحراك شبابي عفوي سلمي، رافع لمطالب شرعية، تصل إلى قمتها عند بعض المستفيدين من فقهاء التخلّف. وبقدرة قادر ينقلب خطابهم الديني اليومي إلى خطاب سياسي طائفي بامتياز. جزء من انتهازيتهم يبارك بتملّق حراك الشباب، وحقهم في العيش الكريم، ولكن جزءاً آخر يرمي إلى إدخال الانقسامات والصراعات في صفوفهم. هذا الجزء الأخير يذكّر جزءاً من الشباب بعدم المساس بالمحاصصة الطائفية في نظام الحكم. ولذا، فعليهم ألا يسعوا لإسقاط، أو استقالة رأس الحكم ، إذ إنه ينتمي إلى هذا المذهب، أو ذاك، ويعلنون بصوت عال مخدر بأن خروج الرأس الفاسد سيعني هزيمة لهذا المذهب، أو ذاك.

وهكذا يبقى مثل هؤلاء الفقهاء متأرجحين بين فقه متعصب متخلف، وبين فكر سياسي طائفي مساند للاستبداد والفساد.
لا حاجة للحديث عن مواقف التفرج واللامبالاة التي تمارسها الكثير من الأحزاب الضعيفة النائمة، إذ ترى نفسها في الهوامش، وخارج وهج حراكات الشباب. ولا حاجة للحديث عن ثرثرة كتاب ومتحدثي وسائل الإعلام المرئية والسمعية، إذ ينشغلون بطرح الأسئلة الساذجة، وبادعاء الحيادية الطفولية.
من هنا، فإن التعويل على الحراكات الشبابية سيعتمد على جيل شبابي عربي يتمتع بصفات الجرأة، من دون خوف، والمخاطرة من دون تهور، والقدرة على الإنجاز، حتى ولو بتعثر مؤقت، والاعتماد على تجييش ذاته، ومواطنيه بقدراته الذاتية، وبإبداعاته في استعمال سلاح تكنولوجيا التواصل الاجتماعي ومنجزات عوالم المعرفة الحديثة.

ولذا، فليس بمستغرب أن تبقى شعارات مختلف تمظهرات حراكاته الجماهيرية الشبابية في طول وعرض الوطن العربي ثابتة، لا تخرج عن نطاق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وعيش الكرامة الإنسانية.
هذا جيل شبابي عربي يراقب ويتعلم مما يجري في هونج كونج وباريس ولندن وواشنطن، ومما تطرحه حراكات شباب العالم من شعارات إنسانية كبرى، ويستمع يومياً إلى ما يطرحه أصحاب الضمائر والقيم في مجتمعاتهم وفي العالم عبر ألف وسيلة ووسيلة. هم يعيشون في وهج التمرد الإنسانى، حتى ولو كان لا يزال محدوداً، على تاريخ وحاضر البؤس البشري أمام التحديات القيمية والأخلاقية التي كانت، ولا تزال، تحاول جر الإنسانية إلى سماوات السمو، والوهج الرباني.
لا خوف على شباب العرب، فالمستقل ينتظرهم ليشملهم بدفئه، وروعة تألّقه.

&