&محمد السعيد إدريس

&

أردوغان فعلها وبدأ هجومه داخل سوريا متجاهلاً تحذيرات ترامب. فهل كان ترامب يريد أن يوقع أردوغان في الخطأ؟

أقل ما يمكن وصفه للحالة التي وضع فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره التركي رجب طيب أردوغان هي «الارتباك» إذا أخذنا الأمور بظواهرها، أي وفقاً لما هو متدفق من معلومات وتصريحات أمريكية، وأخرى تركية؛ لكن حتماً ستكون للأمور دلائل أخرى مختلفة، إذا تركنا لأنفسنا مجال التأويل للمضامين الخفيَّة لتلك التصريحات.
فقد تعمد الرئيس الأمريكي أن يضع الرئيس التركي بين ضوء أحمر يهدد من أي تقدم عسكري نحو شمال شرقي سوريا (شرق الفرات) وضوء أخضر؛ كي يتقدم «تقدماً محسوباً» بحسابات ترامب نحو تلك المنطقة؛ حيث يتواجد حلفاء ترامب (الأكراد)، الذين استخدمهم متكأً؛ لفرض الوجود العسكري الأمريكي في سوريا؛ كي يربك حسابات كل الأطراف الحلفاء منهم والأعداء. أقل ما يمكن أن توصف به أضواء ترامب تلك أنها «أضواء باهتة» بين الأحمر والأخضر، أضواء مرتبكة المعاني، غامضة المضامين.
كانت الأوضاع شديدة التوتر طيلة الأسبوعين الماضيين بين أنقرة وواشنطن؛ بعد أن هدد الرئيس التركي بأن «صبر تركيا بدأ ينفد من الولايات المتحدة في مسألة إقامة المنطقة الآمنة في شمال سوريا» ثم قال بعد ذلك، إن التدخل العسكري التركي «قد يكون وشيكاً»؛ لكن أردوغان لم يأبه لما يمكن أن يكون عليه رد فعل الآخرين؛ بل اعتبر موقف ترامب ضوءاً أخضر للعملية العسكرية ضد الأكراد التي بدأها يوم الأربعاء الماضي..
لقد أربك الاتصال الهاتفي الذي جرى مساء الأحد الماضي (2019/10/6) بين الرئيس التركي والرئيس الأمريكي كل الحسابات؛ لأن ما صدر عنه من تصريحات وما صدر بعده جاء متناقضاً لدرجة كبيرة، ما دفع للتساؤل حول ما إذا كان هذا التناقض مقصوداً لإرباك حسابات الآخرين: كالروس والإيرانيين والسوريين، وربما الأكراد في «قوات سوريا الديمقراطية» حلفاء واشنطن.
فقد أعلنت تركيا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفق، خلال محادثة هاتفية، مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب على أن يلتقيا في واشنطن الشهر المقبل؛ للتباحث بشأن المنطقة الآمنة (التي سبق الاتفاق عليها بينهما في أغسطس الماضي)، وأوضح البيان أن أردوغان سيقوم بالزيارة بعد تلقيه دعوة من ترامب، وقالت الرئاسة التركية في بيان صدر عنها، إن أردوغان أبلغ ترامب بأنه «يشعر بالإحباط؛ لفشل البيروقراطية العسكرية والأمنية الأمريكية في تنفيذ اتفاق المنطقة الآمنة»، وفجأة يعلن ترامب، ودون مقدمات سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، وبالتحديد من المنطقة الحدودية.

هذا الإعلان الأمريكي بسحب القوات اعتبره البعض ضوءاً أخضر أمريكياً للرئيس التركي الذي قد يأمر قواته بالتقدم نحو شرق نهر الفرات شمال سوريا، وأنه، أي ترامب، قد أخلى الساحة أمام أردوغان؛ كي يحقق طموحاته في الشمال السوري، خصوصاً بعد أن بدأت القوات الأمريكية بتنفيذ انسحاب جزئي من تل أبيض؛ لكن ما أتبعه ترامب من تصريحات فرضت مضامين مناقضة، فما كان يعد ضوءاً أخضر تحول إلى لون أحمر بعد «تغريدة» شديدة الغرابة للرئيس الأمريكي على «تويتر» يوم الاثنين الفائت (2019/10/7) هدد فيها بتدمير اقتصاد تركيا إذا تقدمت القوات التركية في الأراضي السورية على نحو يتجاوز ما يعده، ب«حكمته العظيمة»، أفعالاً تتجاوز الحدود.
لكن أردوغان فعلها وبدأ هجومه داخل سوريا، متجاهلاً تحذيرات ترامب. فهل كان ترامب يريد أن يوقع أردوغان في الخطأ؟ ولماذا استبق الإفصاح عن هذا الموقف قبل أن يتم اللقاء في واشنطن بينه وبين أردوغان؟ وماذا عن حكمة ترامب التي ليس لها مثيل؟ وما الحدود التي يراها ترامب حكيمة للتدخل التركي؟
أسئلة كثيرة مفعمة بالغموض أكدها مسؤول كبير في الخارجية الأمريكية قال فيها، إن واشنطن «لا تدعم العملية التركية لا شكلاً ولا مضموناً» وأن وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر «سيتصل بالحلفاء؛ لمناقشة الانسحاب الأمريكي» وأوضح: إن بلاده «لن تسحب غير عدد قليل جداً من الجنود على الحدود التركية مع سوريا».

الغموض يتفاقم مع تناقض موقفي موسكو وطهران من هذه التطورات، ففي حين أعلن الكرملين أنه «يتفهم الإجراءات الهادفة لضمان أمن تركيا» داعياً أنقرة إلى «التمسك بالموقف المتفق عليه حول وحدة سوريا»، رفضت إيران أية عملية عسكرية تركية في شمال سوريا على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف في اتصال هاتفي مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، معتبراً أن «اتفاق أضنة» بين تركيا وسوريا الموقع عام 1998 هو الإطار الأفضل لتحقيق الأمن والاستقرار المشترك للبلدين.

&