&عبدالجليل معالي&&

&جاءت الانتخابات التشريعية في تونس بنتائج على غير ما ترتجيه حركة النهضة، مع أنها تصدرت قائمة الفائزين بعدد المقاعد، غير أنها لم تحصّل أغلبية مريحة تهيمنُ بها على البرلمان وعلى العملية السياسية.


بدا في الأمر تراجع مقارنة بما حصّلته الحركة في الانتخابات السابقة، عامي 2011 و2014، لكن حرج النهضة لم يقتصر فقط على عدد المقاعد البالغ 52 مقعداً، بل طال أيضاً الترتيب وما حصّلته سِلال المنافسين، ما يعني صعوبة هندسة التحالفات واختيار من سيكون شريكها في رسم مستقبل السنوات المقبلة.

جاء حزب قلب تونس ثانياً بـ38 مقعداً، ثم التيار الديمقراطي بـ22 مقعداً، وتلاهما ائتلاف الكرامة بـ21 مقعداً.. إلى هنا يبدو بناء تحالفات سياسية عملية محفوفة بالمخاطر، خاصة للحزب المدعو ـ وفق أحكام الدستورـ لتشكيل الحكومة.

قد يبدو الأمر بديهياًّ، ومن قبيل الاحتمالات اليسيرة أن تذهب النهضة صوب قواعدها «السلفية» ممثلة في قائمة ائتلاف الكرامة، المدجج بـ21 مقعداً، ثم تواصل البحث عن بقية النصاب لدى قوائم قريبة من هواها الإسلامي.

لكن السياسة بما هي فن للممكن واستحضار لأدوات المكر، قد تجعل هذا الخيار القريب بعيداً، بل إن النهضة في ما أوحت به مؤخراً من إشارات بينت أنها تؤجل هذا الخيار، فهي تودُّ بعد جرد حساباتها أن تترك ائتلاف الكرامة على يمينها، وأن تبحث عن أطراف سياسية أكثر خبرة في الإدارة والعمل السياسي، وأقل تشنجاً في التصريحات، لكن المنهل المشترك بينها وبين الائتلاف قد يكون مفيداً لها، كونه ظل خارج الحكم والمؤسسات، صوتاً مرتفعاً في العارضة، تُنفّس من خلاله النهضة من مكبوتات أنصارها، وتوكل له مهمات «هجومية» خلال المعارك الأيديولوجية المقبلة.

ستحتاج النهضة إلى من يعبر عن الأفكار التي تأبى قولها علناً، ولن تجد أفضل من ائتلاف الكرامة ليعبّر عن أفكارها التي اضطرتها إكراهات السياسة واحترام الخارج، إلى جعلها حبيسة الصدور والمكاتب.

لن يكون بوسع النهضة أن تتحالف مع طرف جاهر منذ الحملات الانتخابية بمواقف حادة على المستوى الخارجي، فقد جاهدت لتسويق صورتها في العالم الخارجي على أنها «حزب وطني» تخلّص من تبعيته للإخوان، وهي ليست مستعدة لأن تبدد الصورة، التي كافحت طوال سنوات من أجل تشكيلها.

معلن الحركة يتطلب تدوير الزوايا نحو الخصوم والعالم، ومضمرها يخفي تدوير زوايا تجاه أنصارها وقواعدها ومن يقاسمها أرضيات الانتماء وفي هذه المسافة تعاني من إيجاد مسارب تجنبها عبء ائتلاف الكرامة وأمثاله، ولا تقطع معه الصلات التي ستحتاجها في معاركها المقبلة.