&أحمد المسلماني&&

&

تقول الأغنية الإيرانية «إنْ جفّ ماؤك يا بحيرة أرومية تنتهي حياتي»، كان ذلك خيالًا فنياً بعيداً، إذْ لن تجف البحيرة أبداً، ولذلك لن تنتهي الحياة.

يا لهول الصدمة!.. لقد جفّت بحيرة أرومية، ولم يبق منها إلّا القليل، فالمياه انحسرت والقرى السياحية انهارت، والفنادق أُغلقت.

إنّ بحيرة «هامون» هي الأخرى قد انهزمت أمام الجفاف، فلم تعد البحيرة الجميلة كما كانت، ولم يبقَ منها إلّا مصرف ملوث، حيث قال إيرانيون للتليفزيون الفرنسي: إن المياه الآتية من أفغانستان قد جرى حبسها هناك، وأنّ ما يأتي من المنبع لم يعد كافيّاً.

لقد تراجعت مساحة الأراضي الزراعية على نحو مفزع، فلم تعد هناك أمطار كافية، كما أن المياه الجوفية أوشكت على النفاد في هذه المناطق، وما بقي فيها لا يصلح للشرب أو الزراعة.

يطلب المسؤولون من الناس ألاّ يزرعوا الأرز، وأن يستخدموا الآليات الجديدة للزراعة، لكن المزارعين يقولون: «لم نعد نزرع الأرز، ولا يوجد ذلك القدر الكافي من المياه حتى للزراعة بمعايير الريّ الحديث».

إن مشكلة الجفاف في إيران باتت كارثة كبرى تهدد الأمن القومي للبلاد، فقد كان عدد السكان وقت قيام الثورة عام 1979 نحو 37 مليوناً والآن يتجاوز العدد 80 مليوناً، في حين تقلّ المياه ويسود الجفاف.

ترى وزارة البيئة الإيرانية أن مشكلة الجفاف لا تقلّ خطورة عن مشكلة العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وترى وزارة الزراعة أنها تفوق خطر العقوبات، وحسب الصحافية في قناة فرانس 24 مريم بيرزاده، فإن 70% من الإيرانيين سوف يغادرون منازلهم لهذا السبب.

في عام 2011، قال الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد: «إن دولًا أوروبية قد استخدمت مُعدات خاصة لإجبار سُحب متجهة إلى إيران على إفراغ مياهها في أوروبا»، و«الغرب يتآمر على إيران بالجفاف، ويقوم بتجفيف السحب من قطرات المياه».

وفي عام 2018، قال الجنرال غلام جلالي: «إن إسرائيل تسرق مياه إيران وتمنع عنها الغيوم، ثم إنها تسرق الثلوج من قمم الجبال»، فانتقد إيرانيون حديث الجنرال، ولكن الجنرال تمسك بأن هناك «مؤامرة لتجفيف» إيران.

لقد جاء أخطر تصريح في هذا الصدد من وزير الزراعة الإيراني الأسبق عيسى كلانتري، حيث نقل عنه الصحافي الأمريكي توماس فريدمان ذلك الخوف الكبير: «إن المياه تتلاشى في إيران.. الصحراء تتسع والمياه في طريقها للانتهاء.. ستكون إيران بعد سنوات أرض أشباح.. إن الخطر الأكبر من أمريكا وإسرائيل هو: الجفاف»!

من المؤسف للغاية أن السلطات الإيرانية تخوض معارك لتوسيع النفوذ والحدود، بينما الجفاف المتصاعد يُهدد الوجود.

إذا أرادات إيران تحجيم المأساة، فإن الطريق الوحيد هو الإنفاق على المياه بدلًا من الإنفاق على الأيديولوجيا، فالمواطن لا يحتاج لأن يهتف بل إلى أن يشرب.