& حمود أبو طالب

كانت تونس أيقونة الثورات الشعبية التي بدأت المطالبة بالتغيير والاستحقاقات الوطنية والعدالة وكرامة العيش والتخلص من الفساد والاستبداد، لكنها مثل غيرها تعرضت للاختطاف بتدبيرات خارجية مشبوهة استخدمت الجماعات المتأسلمة المسيسة التي لا تؤمن بالأوطان لفرض واقع جديد يخدم مشروع إسقاط الدولة الوطنية وإلغائها من القاموس السياسي، وتكريس الفوضى المستديمة وتحويل الدول العربية إلى بقايا دول وفتات أوطان وشتات شعوب، وكاد هذا المشروع المدمر أن يتحقق لولا يقظة الشعوب ووجود بعض الساسة والقادة الذين احتفظوا بضميرهم الوطني وقاوموا ذلك المشروع الكارثي.

الشعب التونسي تعرض لهزات الربيع العربي الذي تحول إلى خريف شاحب، لكن الإرث المعرفي والثقافي والمدني أعطاه قدراً جيداً من المناعة ضد الانهيار الكامل الذي تعرضت له دول أخرى، اجتاحه الإرهاب المنظم من الجماعات التي أنتجها الإسلام السياسي وتنظيم الإخوان تحديداً الذي قفز إلى سدة الحكم، لكن التلوث لم ينل كثيراً من الضمائر التونسية الوطنية فبقيت تجاهد لانتشال الوطن من خلال عمل سياسي قانوني بارع رغم كل محاولات التعطيل، وكان للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي دور تأريخي في تهيئة المناخ السياسي الذي انتهى إلى انتخابات حرة خالية من الدم والفوضى دفعت برئيس مدني إلى قصر قرطاج.

لقد ابتهج الجميع بهذه النهاية الجميلة لاستحقاق وطني مهم في تونس، هذا البلد المتحضر الجميل أرضاً وإنساناً، الذي أرادت عصابة الإسلام السياسي إعادته إلى قرون ماضية، لكن لأنه شعب يتوفر على قدر كبير من الوعي رفضها ولفظها ومنعها من التحكم في مستقبله. إنه درس جميل لبقية الشعوب التي ما زالت مخدوعة بجماعات تبيع أوطانها بأبخس الأثمان.