&&محمد خلفان الصوافي

نظرات المراقبين في العالم - خاصة الغربيين منهم - تسلطت هذا الأسبوع على منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات أكثر من أي وقت مضى، ليس لأنها منطقة مضطربة، ولا لأنها ساحة للتنافس الدولي والإقليمي، ولكن لأنها تشهد حدثاً يمكن وصفه استراتيجياً في طبيعة العلاقات الدولية، حيث زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدولتين وسط حماس متبادل بين الجانبين لتطوير العلاقات الثنائية بينهما.

قد يكون من الصعب الحكم أو الجزم حالياً على أي تطور يمكن أن يحدث يغيّر الوضع القائم في العلاقات مع الدول الكبرى في السياسة العالمية، غير أن استراتيجية بوتين تجاه المنطقة تتماشى مع رغبات دول المنطقة في «تنويع العلاقات» مع القوى الكبرى، خاصة في ظل حالة الغموض السياسي الذي يلف الدور الأمريكي في المنطقة، وتحديداً في قضيتي التغلغل الإيراني في المنطقة العربية وتهديد الاستقرار فيها، والتمدد التركي في الأراضي السورية، فهما نقطتان مفصليتان في هذه اللحظة، ومؤشر مهم للتفكير المشترك.

فهذه الجزئية الجغرافية البسيطة هي: عالم مصغر بأكمله نتيجة لزحمة الصراعات التي تؤدي إلى لحظة تشكيل النظام العالمي الجديد، وتحديد أي من الأطراف هو المسيطر ونموذج المحدث في تحقيق التوازن الاستراتيجي في المنطقة، بدلاً مما كان يحدث في أوروبا الشرقية في عهد الحرب الباردة.

بهذه الزيارة المهمة التي تعلن فيها روسيا (وريث الاتحاد السوفييتي) العودة إلى المنطقة كلاعب رئيسي التي غادرتها منذ ربع قرن تقريباً فإنه سوف تفعل شيئيين اثنين، أنها ستؤثر على توازن القوى الكبرى في المنطقة، خاصة وأن الصين هي الأخرى تعتبر قوى منافسة، والشيء الثاني أنها وللمرة الأولى ستكسر الاحتكار أو الانفراد الأمريكي بالمنطقة، خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، ما يعني أن الاصطفاف السياسي في المنطقة ربما يحدث فيه تغير بالأخص إذا لم تستدرك الإدارة الأمريكية ارتباكها السياسي في المنطقة وترسخ علاقاتها مع حلفائها التقليديين.

دبلوماسية روسيا استطاعت منذ أحداث ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» أن تطور علاقاتها مع دول المنطقة خاصة السعودية والإمارات، أكثر دولتين تأثيراً في المنطقة في هذه اللحظة التاريخية، وأحيت علاقتها مع مصر أكبر دولة في المنطقة، خاصة بعد أن بانت تغيرات الاستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة، بل إنها استطاعت أن تكوّن علاقات متوازنة مع كل الأطراف المتنافسة في المنطقة دون أن ترجح كفة على أخرى، وهي نقطة ربما نظرياً تعتبر سلبية ولكن من الناحية المنطقية تعطيها مساحة لأن تلعب دور الوسيط والمهدئ للصراعات باعتبارها الشيء المطلوب في هذا التوقيت.

بمراجعة التوجهات الدبلوماسية الإماراتية والسعودية خلال عقد من الزمن سنجد أنها تصبغ علاقاتها الخارجية بالمصالح المشتركة وبتبادل المنفعة، وليس فقط على وجود أرضية تاريخية أو حتى ثقافية، لأن بعض الأزمات حدثت مع وجود تلك الخلفيتين، حيث لم تعد هناك ضرورة لوجود تناغم كامل والتوافق التام في المظهر الخارجي، بل إن وجود الاحترام الكامل في هذه العلاقات وتحقيق مصالح الشعوب هو الأساس، لذا نجد أنه بجانب روسيا هناك الصين هي الأخرى تتقرب في ملفات المنطقة بفكر مختلف عن الفكر الغربي القائم على الانحياز الأيديولوجي بالكامل.

فاليوم نستطيع القول إنه باتت هناك قواسم مشتركة لتطوير العلاقات الإماراتية والسعودية مع دول غير الولايات المتحدة.

وبحكم لغة المصالح فإن الدول الخليجية تعتبر روسيا إحدى الدول العظمى العائدة إلى الساحة الدولية ويمكن الرهان عليها في تحقيق التوازن مع التهديدات التي تتسبب فيها الدول المنافسة لها إقليمياً ودولياً سواءً في الأوضاع الداخلية أم الإقليمية مثل القضية الفلسطينية، في مقابل ذلك فإن روسيا تعتبر الإمارات والسعودية البوابة الرسمية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لما تمثلانه من ثقل سياسي واستراتيجي.

&&