علي القحيص

لاشك أن تركيا دولة إقليمية مهمة وجارة للعالم العربي منذ عقود وقرون، وهي دولة كبيرة في حجمها ومساحتها وسكانها، حيث تبلغ مساحتها 783.562 كم مربع، ويصل عدد سكانها إلى 81.92 مليون نسمة. وقد استفادت تركيا من عدم قبولها في الاتحاد الأوروبي وعملت على تعويضه عبر نوع من مضاعفة الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي، خصوصاً من خلال المصانع التجارية والمعامل الصناعية والإنتاج الزراعي الوفير.. فطورت ذاتها خلال السنوات الماضية بشكل ملحوظ، واستقطبت الزوار والسياح والمستثمرين، لوجود بيئة خصبة وطبيعة خلابة.

لكن السياسات الخارجية غير المتسقة وغير المنضبطة لتركيا، وتعاملها العدائي مع دول الجوار العربي.. أفقد تلك الخاصية المتميزة والرائعة أهميتها للاقتصاد التركي. هذا فضلا عن الرفض أو عدم القبول الذي يواجهه العنصر العربي، كزائر أو كسائح أو كمقيم، حيث إن الشارع التركي ينظر للإنسان العربي بتعال وفوقية وغطرسة وعنصرية.. وذلك باتساق تام مع ممارسات السياسة الخارجية التركية الحالية. لذلك أصبح السائح الخليجي ينفر ويتخوف من هذه المعاملة «الخشنة»، بل المنفرة في أغلب الأحيان، كما فقدت الشعوب

والحكومات العربية صبرها إزاء التدخلات التركية الرعناء في الشؤون الداخلية لكثير من دول المنطقة.
والمراقب المحايد لا يجد أي مبرر لتدخلات تركيا في الشؤون الداخلية للدول العربية، فأنقرة ليس لها حق الوصاية على العواصم الأخرى، كما أنها ليست عضواً في جامعة الدول العربية، وتدخلاتها في شمال العراق وشمال شرق سوريا، وفي قضايا عربية أخرى كثيرة، مرفوضة وغير مقبولة وغير منطقية أصلا.
لقد سحقت الأكراد المسلمين (السنّة) في شمال شرق سوريا بلا رحمة، وطردت المسلمين العرب السوريين والعراقيين اللاجئين لديها من بطش حكومتي دمشق وبغداد، ومع ذلك تريد أن تتاجر بدمائهم وإنسانيتهم وتبتز بهم الدول الأوروبية بحجة أنها لا تستطيع إيواءهم وعاجزة عن تحمل تكاليف لجوئهم وإقامتهم ورعايتهم!
وقد حدث كل ذلك ويحدث بسبب طموحات وأحلام «العثمانية الجديدة» لدى أردوغان، والذي لم يفتأ يسعى لاستعادة سيطرة العثمانيين السابقة على مناطق عربية، أذاقوها مرارة العسف والطغيان والتخلف.

والواقع أنه لا أحد يعرف أين تتجه السياسة الخارجية التركية الحالية، وهل تريد أن تذهب بتركيا، الدولة الإقليمية المهمة، إلى الهاوية والتمزق والتشرذم كحال بعض جيرانها العرب؟
إن هذه التدخلات بشؤون الغير جعلت الليرة التركية تتهاوى وتتدحرج إلى الأسفل مقابل الدولار واليورو وبقية العملات الأخرى.
ليس من الواضح تماماً الوجهة التي تتجه إليها السياسة الخارجة الحالية المتهورة لتركيا، هذه الدولة الإقليمية التي تصدّر إلى أسواقنا الخليجية العديد من صناعتها المحلية المتنوعة. فهل يحدث لتركيا على يد أردوغان ما حدث للاتحاد السوفييتي العملاق الذي تفتت على يدي رئيسه غورباتشوف؟ بعد انتهاء الولاية الرئاسية لغورباتشوف، عرض عليه أحد الفنادق الأميركية وظيفة مدير علاقات عامة لكي يكسب السواح للفندق الأميركي.. فهل نرى أردوغان موظف استقبال بأحد الفنادق الروسية يستقبل العملاء، كمؤشر لنهاية «العثمانية الجديدة»؟!

&&

&