حمود أبو طالب

على طريقة «يقتل القتيل ويمشي في جنازته» ما زال المجتمع الدولي يكيل الإدانات لرجب طيب أردوغان لهجومه البربري على شمال سوريا في عملية أسماها نبع السلام، بينما نتيجتها إلى الآن دماء وتهجير ودمار وخروج شياطين الإرهاب من معاقلها، ما يمكن أن يعيدنا إلى المربع الأول في مكافحة داعش وأخواتها.

أردوغان لم يفاجئ العالم بزحفه، بل أعلن نواياه مسبقاً وعرفتها الدول التي تدينه الآن، وعشية هجومه كان على اتصال مع الرئيس ترمب الذي أمر بسحب قواته من المنطقة التي يستهدفها ليسهل له المهمة بشكل مناف لكل الادعاءات عن حرص أمريكي للقضاء على الإرهاب والسعي نحو السلام في سوريا، ما جعله يتعرض لهجوم شديد من مجلس النواب شارك فيه أعضاء الحزب الجمهوري وليس الديموقراطيين فحسب. ودون شك فإن الحلفاء الأوروبيين لأمريكا وغيرهم كانوا على علم بتفاصيل العملية قبل بدئها، لكن الجميع لم يقدموا تحركاً استباقيا لمنعها وفضلوا كالعادة الركون إلى الشجب والاستنكار والإدانة بعد حدوثها، ولا نتوقع أي جديد من الرسالة التهديدية الصاخبة التي وجهها ترمب إلى أردوغان وسربها الإعلام قبل أمس، فهي لن تزيد عن كونها أحد تجليات الظاهرة الصوتية الترمبية.

بالنسبة للعرب الذين اجتمعت جامعتهم بعد سبات وأدانت الهجوم (عدا قطر والصومال) نقول لهم إن القضية أخطر بكثير من التعامل معها بالكلام، لأنها قضية احتلال عسكري بالأصالة لأرض عربية وليس احتلالا سياسيا بالوكالة كما فعلت إيران في العراق واليمن ولبنان. مهما كان سوء نظام بشار الأسد ومهما كانت سوابقه ومدى الخلاف معه فإن الأنظمة تذهب والأرض تبقى، ويجب الحفاظ عليها عربية بكل الوسائل وإلا فإنها ستكون سابقة خطيرة تمهد الطريق لاستباحة أي أرض عربية أخرى. لذلك لا بد من رد فعل تجاه تركيا أقوى من التصريحات حتى لا يكون ما حدث وصمة عار جديدة في التأريخ العربي.