&طلال عبدالكريم العرب

السيد ترامب وصف الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط العربية بـ «الحروب السخيفة»، وانتقد مشاركة القوات الأميركية فيها. فنقول: يا مستر ترامب، هذه حروب دموية مدمرة وليست بالسخيفة، أما من خطط لها، وبدأها، وأججها، وجند لها، فأنت الأعلم بهم. حروب الشرق الأوسط لم تشتعل صدفة، فقد خطط لها منذ سنوات طويلة، وأول من بشر بها رسميا هو هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، ألماني الأصل، يهودي الدين، صهيوني الهوى، بشرنا بشرق أوسط جديد منذ سنة 1973، أي بعد حرب أكتوبر مباشرة، التي تبعتها أزمة نفطية عالمية رفعت أسعار النفط الى مستويات جنونية مقارنة مع ما كانت عليه، فقالها بالحرف الواحد: لا بد من تغيير خريطة الشرق الأوسط، لا بد من شرق أوسط جديد، من أجل مصلحة وبقاء إسرائيل، وضمان تدفق نفط ثابت ورخيص إلى الدول الصناعية. ولتحقيق هذا الهدف الطويل الأمد لا بد من تغيير وجوه حاكمة، ليس بالضرورة جيدة، ولكنها قد تكون معرقلة، بأخرى متطرفة ومتهورة مستعدة لتنفيذ أجندة كيسنجر لمن يأتي من بعده، فجيء بالخميني على طائرة فرنسية، وجيء بصدام بعد أن أطيح بأحمد حسن البكر، ليبدآ أولى خطوات التغيير بحرب كلفت ايران والعراق مئات الآلاف من الخسائر البشرية،

ومئات المليارات من الدولارات، بعدها بدأ الغزو العراقي للكويت، الذي تسبب بتشرذم واصطفاف عربي خطير لا يزال يخيم على المنطقة، بعده بدأت عملية استئصال سريعة وجذرية أطلق عليها مسمى الربيع العربي تحت شعار معلن هو إسقاط الأنظمة القمعية الدكتاتورية القوية عسكرياً، أما هدفها فهو تحويلها الى دول فاشلة ضعيفة مفككة قمعية وفاسدة. نجحت المؤامرة تماماً الا باستثناءين: مصر التي بقيت قوية متماسكة حتى الآن، وتونس التي يبدو أنها المثل وبارقة الأمل لنظام ديموقراطي عربي حقيقي يستحق أن يحتذى به. فيا مستر ترامب، من الذي أشعل تلك الحروب؟ من الذي سلّم العراق وسوريا ولبنان واليمن الى إيران؟

ومن الذي أتانا من العدم بداعش والقاعدة وأحزاب الشيطان والحشود المسماة بالشعبية؟ من الذي شرّع أبواب تلك الدول بعد إضعافها لإيران؟ لا شك بأن الوضع الراهن في الشرق الأوسط يدعو الى الأسى والحزن، فقد تحول شرق أوسطنا الى بؤرة حروب طائفية حقيقية، وهو في طور تشكيل طائفي لم يتبلور بعد ينفذه النظام الإيراني حسب ما خطط له. هناك حروب دموية وقتل على الهوية على قدم وساق في كل مكان، ولكنها يا مستر ترامب ليست بحروب سخيفة، فالحروب السخيفة أهدافها ونتائجها أسخف منها، فما يجري عندنا حروب ومعارك وإرهاب مخطط له منذ سنوات طويلة، وليست وليدة اليوم أو الأمس. انها حروب ودمار نفذت في عهود عدة رؤساء أميركيين متعاقبين وعلى مدى عقود طويلة، فكم نتمنى أن يكون مستر ترامب صادقا ولو في هذه المرة فقط، فيضع حدا لتلك المذابح ويرجع الأمور الى نصابها، ويصلح ما أفسده أسلافه.

&

&

&