&علي قاسم&

&عين الشارع التونسي على العدالة الاجتماعية والتشغيل والخدمات الصحية ومكافحة الفساد والإرهاب واستتباب الأمن، وعين أصحاب القرار والهيئات الدولية على التضخم والمديونية وسعر الدينار. وكلاهما وجهان لعملة واحدة.

&الرهان على نجاح التجربة التونسية يتجاوز التونسيين

يؤدي الرئيس التونسي المنتخب قيس سعيد اليمين الدستورية اليوم، يتبعه إلقاء خطاب رسمي في جلسة برلمانية استثنائية، وسط أجواء تفاؤل سادت الشارع التونسي، بعد أقل من أسبوع على قرار تم فيه رفع اسم تونس من قائمة سوداء، أدرجتها ضمن دول حاضنة لتبييض الأموال.

وكان سعيد قد صرح بمكاسبه الاثنين بمقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مؤكدا أن “الحكومة الجديدة لا يجب أن تقوم على مجرد توزيع المناصب، بل على تحمل الأمانة والمسؤولية”.

ويعتبر التصريح بالمكاسب أولى الخطوات الواجبة على الرئيس المنتخب قبل تسلمه مهامه، إضافة إلى التعهد بعدم الانتماء إلى أي حزب أو جهة كانت، وفق ما نص عليه الدستور.

وترافق رفع اسم تونس من القائمة السوداء، مع حدث آخر ذي دلالة هو اختيار مجموعة الصناديق المالية الدولية، التي اختتمت جلستها السنوية بواشنطن يوم 20 أكتوبر الحالي، محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، ليتوج بجائزة أفضل محافظ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وكان العباسي قد تولى منصب محافظ البنك المركزي في مارس 2018، في فترة شهد فيها الدينار التونسي تراجعا حادا في سعر الصرف أمام العملات الصعبة، وتزامنت مع ارتفاع نسبة التضخم التي فاقت 7 بالمئة. وقد تمكن العباسي من النزول بنسبة التضخم من 7.4 إلى 6.7 بالمئة، وتحقيق انتعاشة لقيمة الدينار، رغم الأزمة المالية والظرف الاقتصادي الصعب. هذا إلى جانب الإنجاز الأهم وهو شطب اسم تونس من القائمة السوداء، بفضل خطة عمل استشرافية أُنجزت ضمن زمن قياسي.

خروج تونس من القائمة السوداء يعتبر خطوة هامة لتقليص المخاطر، يتيح لها المحافظة على تصنيف إيجابي لدى وكالتي موديز وفيتش، الأمر الذي يعتبر دعامة أساسية لجذب الاستثمارات الهامة وطويلة المدى.

ورغم توقعات صندوق النقد الدولي المتشائمة بالنسبة للنمو الاقتصادي في تونس، التي أكدت أنها لن تتجاوز 1.5 بالمئة، وهي نسبة بعيدة عن توقعات الحكومة الأولية التي تحدثت عن 3 بالمئة، أكدت المؤسسات المالية المانحة مواصلة دعمها لتونس، لمساعدتها في إنجاح برامجها الإصلاحية وتحقيق أهدافها التنموية. الشفافية ومكافحة الفساد ليستا مطالب الهيئات الدولية فقط، بل هما من أهم مطالب التونسيين، الذين اختاروا رجل القانون قيس سعيد، الذي نجح في تسويق نفسه، بصورة الرئيس الزاهد النظيف، الحريص على تطبيق القانون واحترام علوية الدستور، والأهم من كل ذلك فرض الرقابة والمساءلة وتكريس العدالة الاجتماعية.

الرهان على نجاح التجربة التونسية يتجاوز التونسيين. على الرئيس الجديد وفريق عمله، أن يتوقعا أن العالم سيصغي ويحلل كل حرف في الخطاب الذي سيلقيه الرئيس اليوم. البيان والبديع، لن يكونا من ضمن النقاط التي سيحكم من خلالها على نجاح الخطاب.

الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي اعتاد استخدام لغة بسيطة دارجة أحيانا، وقريبة دائما من قلوب التونسيين وعقولهم. ما سيصغي العالم إليه، وبالأخص رجال الاقتصاد وأصحاب القرار، هو القدرة على الإقناع ووضوح البرامج، وفوق كل ذلك أن الحلول، التي سيضطر الرئيس لذكرها، قابلة للتحقيق، وليست مجرد وعود، سبق له أن قارن بينها وبين وعود كافور الأخشيدي للمتنبي.

اختار التونسيون في قيس سعيد شخصية الرجل المستقل، البعيد عن التجاذبات السياسية، المتعفف من إغراءات السلطة والحكم. المؤسسات الدولية لن تقيم الرئيس الجديد لتونس وفق هذه المعايير، بل سيكون التقييم بناء على قراءة متأنية لما بين السطور. ستنتظر حلولا مؤلمة يتبناها الرئيس، لا مجرد “بيع أوهام والتزامات لن تتحقق”.

خلال أسبوع واحد، قدمت المنظمات الدولية المالية للرئيس الجديد أكثر من هدية؛ توجت مروان العباسي، وبرأت تونس من تهمة الفساد المالي، ووعدت بمواصلة دعمها لإنجاح برامج تونس التنموية.

العالم كله يريد نجاح التجربة التونسية، وقدرة الرئيس على إقناع العالم، سيكشف عنها بعد فترة وجيزة، مقياس واحد، هو التضخم والمديونية وسعر الدينار. دونه تصبح كل الوعود مجرد تسويق للأوهام.

عين الشارع التونسي على العدالة الاجتماعية والتشغيل والخدمات الصحية ومكافحة الفساد والإرهاب واستتباب الأمن. وعين أصحاب القرار والهيئات الدولية على التضخم والمديونية وسعر الدينار. وكلاهما وجهان لعملة واحدة.

&

&