&محمد كركوتي

&

"إذا لم يلتزم رئيس الوزراء البريطاني بالقوانين، سنراه في المحكمة"
إيان بلاكفورد، رئيس الكتلة الاسكتلندية في مجلس العموم البريطاني

لم تنته "معاناة" بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني على صعيد مسألة خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، حتى بعد أن حصل على اتفاق انفصال معدل من هذا الاتحاد. ولم تذهب "المعاناة" التي تعيشها المملكة المتحدة من جراء هذا الانفصال منذ أن صوت البريطانيون للخروج من الكتلة الأوروبية عام 2016. الأزمات ظلت حاضرة على الساحة الوطنية والمشكلات بقيت سائدة في الميدان السياسي، والخلافات التي بلغت حدا خطيرا هي التي تشكل المشهد اليومي في هذه البلاد. هذه الخلافات أدت بالفعل إلى رفع دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء أمام أعلى محكمة في المملكة المتحدة التي حكمت ضده بعدم شرعية إغلاق البرلمان الشهر الماضي، وطلبت عودة هذه المؤسسة للعمل فورا.
من اليوم لم يتبق لموعد "بريكست" سوى تسعة أيام. لكن مجلس العموم أجبر جونسون بتصويت مهين حقا على مشروع قرار يؤخر عملية التصديق على اتفاقه الذي أتى به من بروكسل، إلى أن تكتمل عملية دراسة وتمحيص وتدقيق البرلمان لهذا الاتفاق. فما كان من رئيس الوزراء إلا أن بعث برسالة "بحكم القانون الذي يجبره على ذلك" إلى الاتحاد الأوروبي يطلب تأجيل الخروج حتى نهاية الشهر الأول من العام المقبل. وتعبيرا عن غضبه من النواب الذين أجبروه على القيام بذلك، ماذا فعل؟ بعث رسالة غير موقعة لشركائه الأوروبيين، ووقع رسالة أخرى مصاحبة يطلب منهم عدم الموافقة على الأولى! إنها محاولة غير بروتوكولية وبائسة حقا. ولذلك من المتوقع أن يوافق الاتحاد الأوروبي على هذا التمديد، خصوصا أنه يخضع للقانون البريطاني، ولرغبة الكتلة الأوروبية في ضمان انسحاب طبيعي لبريطانيا منها.

كل هذا لم يعد مهما الآن. ما هو أساسي الآن، كيفية تمرير اتفاق الخروج الذي وقعه جونسون في بروكسل على مجلس العموم المنقسم أصلا حول "بريكست" برمته. فهناك تيارات نيابية أساسية، لا تدعو لاتفاق خروج بل تطالب بإلغاء نتيجة استفتاء الخروج والبقاء في الاتحاد. كما أن هناك كتلا نيابية أخرى تضم حتى نوابا من حزب المحافظين الحاكم، ترفض إلغاء نتيجة استفتاء الخروج، لكنها تفضل أن يقدم مشروع الخروج إلى استفتاء جديد، على أن يكون البقاء الخيار الثاني. ناهيك عن مجموعات تتحرك من أجل استفتاء جديد آخر يعتمد على السؤالين الأولين للاستفتاء الأول، أي الخروج أو البقاء. وتيارات أخرى تسعى إلى الخروج، لكن بشرط ضمان بقاء بلادهم ضمن المنطقة التجارية الحرة والاتحاد الجمركي.
المشكلة الرئيسة في اتفاق جونسون هي الموافقة على بقاء إقليم إيرلندا الشمالية، التابع للمملكة المتحدة، ضمن المنطقة التجارية الأوروبية. أي فصل الإقليم بصورة أو بأخرى عن المملكة. وهذا ما دفع الحزب الاتحادي الإيرلندي الموالي لبريطانيا، إلى الانفجار في وجه الحكومة البريطانية، حيث اعتبرها تخلت عن الإقليم من أجل أن تضمن الخروج من الاتحاد بأي ثمن. وهذا الحزب على وجه الخصوص يمثل محورا رئيسا. لماذا؟ لأنه يتحالف أساسا مع الحكومة في مجلس العموم، منذ الانتخابات العامة الماضية، ما وفر لهذه الحكومة القدرة على أن تتشكل أصلا! حكومة جونسون الحالية صارت حتى قبل أن تتسلم السلطة خلفا لتيريزا ماي حكومة أقلية نتيجة انسحاب عدد من نوابها احتجاجا على الموقف من "بريكست"، والآن يصوت الحزب الإيرلندي ضد الحكومة، ما عمق الأقلية التي تعانيها.
الحكومة البريطانية الحالية وصلت أساسا للسلطة تحت شعار" الخروج من أوروبا بأي ثمن"، وهي تواجه أزمة ثقة الآن في أوساط من أوصلها إلى الحكم، ناهيك عن عدم الثقة بها من جانب أحزاب المعارضة، وكتلة لا بأس بها من نواب حزبها نفسه! وهي، أي الحكومة، تفقد كل يوم شيئا من قوتها على صعيد الخروج من الاتحاد. في مقابل ذلك ترتفع حظوظ التيارات والحركات الداعية لاستفتاء ثان بصرف النظر عن صيغته، متحججة في ذلك بأنه مر على نتيجة الاستفتاء الأول أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام، وأن كثيرا من المتغيرات حدثت بالفعل خلال هذه الفترة، إلى جانب، طبعا، انضمام ناخبين جدد من الشباب إلى النظام الانتخابي، ما يعزز الهدف الديمقراطي. لكن الشيء المؤكد هو أن حكومة جونسون لا يمكنها بأي حجة أو وسيلة أو مناورة أن تنسحب فجأة دون اتفاق يقره البرلمان ويتحول إلى قانون في المسارب الإجرائية المعروفة.

لم تتوقع الحكومة أن تجبر على تأخير موعد الخروج، خصوصا أنها أتت باتفاق غير آراء بعض المعارضين لاتفاق الحكومة السابق، وصاروا مؤيدين للاتفاق الجديد. لكن ما هو حاضر على الساحة حاليا الحرص على أن تكون هناك ضمانات لكيلا تجد الحكومة الحالية مخرجا أو مسربا لخروج مستقبلي بلا اتفاق، وهو الخروج الذي تعده الأوساط الاقتصادية بمنزلة كارثة ستدفع الاقتصاد البريطاني إلى الانكماش بنسبة 6.7 في المائة، ما يجعل البلاد أكثر فقرا.