كانت زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو التي استغرقت يومين لبروكسيل، الثاني والثالث من أيلول (سبتمبر)، فرصة ممتازة لمعالجة العديد من القضايا المهمة للعلاقات عبر المحيط الأطلسي وامتلاك استراتيجية موحدة لمعالجتها، في الوقت الذي ستكون فيه لأوروبا قيادة جديدة.

المسؤولون الأميركيون أكدوا اهتمامهم بالقيام بذلك قبيل زيارة بومبيو، ونقل عن السفير جوردون سوندلاند قوله: «أريد في الأساس أن أحاول إعادة ضبط العلاقات»، ويأمل المرء أن يرى المسؤولون الأوروبيون الوضع الحالي بالطريقة نفسها. ستكشف الأيام القادمة بالتأكيد مدى التزامهم بالعمل مع الولايات المتحدة من أجل مواجهة التحديات والتهديدات المتبادلة. أحد التحديات الرئيسية هو كيفية التعامل مع النظام الإيراني وسلوكه الميال لنشر الحروب.

فقد أظهرت إيران سلوكاً عدوانياً متزايداً على الملاحة التجارية في المنطقة، كما يتضح في عملية الاستيلاء على سفينة كانت ترفع العلم البريطاني في منتصف تموز (يوليو) الماضي. وقد استجابت المملكة المتحدة بشكل مناسب بتوجيه سفنها الحربية نحو المنطقة لضمان هذه السفن في المستقبل المنظور، لكن أوروبا بدت مترددة في إدراك أن التهديد الإيراني يمتد إليها.

قد يكون الاتحاد الأوروبي قادراً على خداع نفسه بالاعتقاد بأن الأنشطة البحرية لقوات الحرس الثوري كانت موجهة ضد الولايات المتحدة وبريطانيا فقط، وذلك على رغم أن الناقلات المحتجزة والمتضررة قد حملت أعلام العديد من الدول بما فيها النروج واليابان، لكن لا يمكن تبرير مثل هذا الخداع، بالذات عندما يتعلق الأمر بالتهديد الذي يشكله الإرهاب المدعوم من قبل طهران.

في عام 2018 وحده، تم كشف وإحباط ما لا يقل عن ست مؤامرات تفجير واغتيالات مخططة، وقد تحقق ذلك على يد السلطات الغربية. وبأي حال من الأحوال كانت الأهداف المرتقبة مقتصرة على الكيانات الغربية التي شجعت الضغط الأقصى أو فرضت عقوبات اقتصادية على إيران، وعلى رغم اتهام اثنين من المندسين الإيرانيين بالتجسس على نشطاء المعارضة وغيرهم من الأهداف المحتملة في الولايات المتحدة، فقد تم الكشف عن عمليات مماثلة في أماكن بعيدة مثل ألبانيا، حيث أنشأت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المناضلة من أجل الديموقراطية أخيراً مقراً لثلاثة آلاف عضو تم نقلهم من العراق وحمايتهم من الهجمات المتكررة من قبل وكلاء طهران المتشددين.

وفي ما قد يكون المثال الأكثر أهمية للإرهاب الإيراني منذ العام الماضي، فقد تم إلقاء القبض على زوجين يعيشان في بلجيكا أثناء محاولتهما عبور الحدود إلى فرنسا بحوزتهما مئات عدة من غرامات مواد شديدة الانفجار، إذ كان هؤلاء الإرهابيون يعملون تحت إشراف ديبلوماسي إيراني رفيع المستوى، من أجل تفجير قنبلة خارج باريس مباشرة، في التجمع السنوي للمعارضة الإيرانية الذي عقدته منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.

ويحضر هذا الحدث عادةً مجموعة متنوعة من السياسيين من أنصار الدوائر السياسية الغربية والدولية، إلى جانب عشرات الآلاف من المغتربين الإيرانيين. (كنت أحضر الحدث مع وفد رئيسي مشترك من الأحزاب من إيطاليا).

وقد تم القبض على الديبلوماسي الإيراني المقيم في فيينا، أسد الله أسدي، في ألمانيا (حيث لم تكن لديه حصانة ديبلوماسية) بناءً على مذكرة اعتقال أوروبية. وقال المتحدث باسم المدعي الفيديرالي البلجيكي إن الإرهابيين المحتملين قد تسلّموا المتفجرات في لوكسمبورغ من الديبلوماسي الإيراني الذي صادف أنه عضو بارز في جهاز المخابرات الإيراني. وبعد ثلاثة أشهر من إفشال مخطط طهران، قامت ألمانيا بتسليم الأسدي إلى بلجيكا في تشرين الأول (أكتوبر)، وهو ينتظر المحاكمة مع ثلاثة من عملائه المتورطين في المؤامرة التي تم كشفها والتخطيط لها على أعلى المستويات في طهران.

لو كانت المؤامرة ناجحة، لكان الأمر لم يحدث على الأرض الأوروبية فحسب، بل لكان من المؤكد أنه أودى بحياة الأوروبيين، وإذا أدرك المرء هذا الحادث حقيقة، فلن يستطيع أحد أن ينكر أن التهديد الإيراني للمجتمع الدولي حقيقي وحاد وبعيد المدى.

ولكي نكون أكثر دقة، لا يمكن لأحد أن ينكر هذا الاستنتاج على حسن نية، لكن هذا لن يمنع بالضرورة أي صانع سياسة معيّن من إنكاره على أي حال. قبل زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى باريس، ذُكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخبر قادة الأمن في فرنسا التزام الصمت حيال المؤامرة الإرهابية التي وقعت العام الماضي. الآن، في أعقاب زيارات كبار الديبلوماسيين من كل من إيران والولايات المتحدة إلى أوروبا، فإن الأمر متروك لقيادة الاتحاد الأوروبي القادمة لتحديد من لديه موقف تجاه إيران يحمل وزناً أكبر: أولئك الذين يقومون بالتستر صراحةً على جرائمها، أو أولئك الذين يطمحون إلى مساءلتها.

الإجابة عن هذا السؤال ستسفر عن عواقب قصيرة وطويلة الأجل. في المقام الأول، قد يقرر ما إذا كان الديبلوماسي - الإرهابي الذي كان العقل المدبر لمؤامرة تفجير باريس العام الماضي قد عوقب فعلياً وفقاً للاتهامات التي يواجهها الآن في بلجيكا. ورسالة مقاضاته وملاحقته قضائياً قد تهيئ بدورها المجال لرد متعدد الأطراف مناسب على الإرهاب الإيراني، في وقت يهدد فيه النظام كيانات غربية مثل مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، وبفرض «عقوبات» بحقها، الأمر الذي من الأفضل فهمه على أنه فتاوى.

عند التحدث على نطاق أوسع، قد تحدد القرارات في الأيام المقبلة مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويحتاج الأوروبيون إلى إدراك الحاجة إلى مواجهة التهديدات الإيرانية وضمان مواجهة النظام لعواقب سلوكه الإجرامي.

* وزير خارجية إيطاليا السابق عضو في المجلس الاستشاري المتحد ضد إيران النووية.