وائل مهدي

هناك أخبار لا تثير ضجة كبيرة، ولكنها لا يجب أن تمر بسهولة على كل من يقرأها. هذا ينطبق على الخبر الذي نشرته وكالة «بلومبرغ» يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، عن تخفيض محتمل للكويت (رابع أكبر منتج في أوبك) في إنتاجها النفطي المستهدف العام المقبل إلى 3.125 مليون برميل يومياً، بدلاً من 4 ملايين برميل يومياً، بسبب مخاوف انخفاض الطلب عالمياً نتيجة لسياسات التغير المناخي.

لا أتصور أن هناك دولة واعية في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لا تشعر بقلق حيال المستقبل، والكل يرى ذلك الدعم الهائل للطاقات البديلة وللسيارات الكهربائية، والعدائية المتزايدة تجاه النفط ومنتجيه، وكأن «أوبك» هي مصدر الشرور كلها في العالم.
عندما قرأت الخبر، لم أستغرب كثيراً، فالكويت تواجه صعوبات فنية متعددة لرفع إنتاجها، نظراً لأن المكامن الجديدة كلها من النفط الثقيل، وبسبب توقف إنتاج النفط في المنطقة المقسومة مع المملكة العربية السعودية. لكن وضع التهديدات التي تواجه الطلب على النفط في الحسبان هو تفكير جديد على الكويت التي تعتمد على النفط أكثر من دول أخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية، ويكاد يكون هو المورد الوحيد للبلد.
لقد وضعت الكويت خطة طموحة قبل كثير من دول «أوبك» لرفع إنتاجها النفطي إلى 4 ملايين برميل يومياً، قبل أكثر من عقد من الزمن، ولكن التغييرات السياسية الدائمة للسلطة البرلمانية كانت أحد أهم العوائق لهذا المشروع الطموح.
ولأن الزمن يمضي ولا يبالي بالساعة المعطلة على الحائط، أصبحت خطة زيادة الإنتاج اليوم أقل أهمية، بعد بدأ تحول العالم بسرعة نحو السيارات الكهربائية وغيرها من البدائل. لا زلنا نعيش في عصر يسيطر فيه النفط على مصادر الطاقة عالمياً، وما زال الطلب يزيد،

وسيظل يتزايد عاماً بعد عام، مع نمو السكان عالمياً، وتحول كثير من الفقراء إلى الطبقات المتوسطة، وهو ما يزيد استهلاكهم للطاقة، والطلب على وسائل المواصلات.
ولو أن الكويت تمكنت من رفع إنتاجها النفطي قبل 10 أعوام، لكانت اليوم تنعم بقدرة تنافسية أعلى في السوق النفطية، ولكن مشكلة الكويت ليست محصورة في ذلك، إذ إن البلاد لم تتقدم كثيراً في سياسات تنويع مصادر الدخل، ولا يزال الإنفاق العام مرتكز على النفط، والاستثمارات الأجنبية في مستوى متواضع، والقطاع الخاص لا ينمو بشكل كافٍ لخلق فرص عمل، مما يجعل الدولة تتحمل عبء التوظيف حتى اليوم.
ولهذا، قد يكون من الأفضل أن تشهد الكويت هذا الأمر، حتى تشكل هذه الصدمة لهم مضاعفة لجهدهم لتنويع مصادر الدخل، التي بدأت مؤخراً مع «رؤية الكويت 2035»، والإعلان عن شراكات مع الصين لتطوير مناطق اقتصادية داخل الكويت، وجعلها ضمن مخطط طريق الحرير.
ولكن هذه الخطط طويلة الأجل، وما تحتاج إليه البلد هو حلول سريعة كذلك لتنشيط الاقتصاد بعيداً عن المشاريع الضخمة، ولهذا سيكون النفط هو سيد الموقف على المدى القصير والمتوسط.
وليست الكويت وحدها في هذا الوضع، إذ إن هناك دولاً أخرى مثل العراق لا تزال تعيش في العصر النفطي، ولم تنتقل إلى ما بعده، ويبدو أنها لن تنتقل قريباً، حيث إن مسألة تنويع مصادر الدخل القومي لا تزال في مراحل بدائية في التخطيط العام للدولة.

وعند النظر إلى «أوبك» ككل، نرى أن أموال النفط لا تزال تذهب في صورة إنفاق عام، وليس في صورة استثمارات. نعم، هناك صناديق سيادية تستثمر جزءاً من هذه الثروة الوطنية، ولكن هذه الصناديق لا تكفي للقيام بواجبات البلاد كاملة، وهي عكس الصندوق السيادي النرويجي الذي يدير بكفاءة دخل البلاد. طبعاً، ليس من الإنصاف مقارنة النرويج بدول «أوبك» للفوارق التنموية الكبيرة.
ما أردت أن أقوله هو أن خبر بلومبرغ مقلق، ولكنه ليس مفاجئاً، فتأخر الدول في تنفيذ أي خطط نفطية وغير نفطية معناه ضياع فرص، والفرص قد لا تعود، وإن عادت قد لا تكون بالقوة نفسها. وقد أصبح هناك فرق واضح بين ما تقوم به دول مثل السعودية والإمارات لتنويع مصادر دخلها، وما تقوم به دول أخرى، وإن كان الجميع لا يزال في مراحل أولية في خطط التنويع. ولكن المهم هو أن بعض الدول مشت في الطريق أسرع وأطول من غيرها، وهذا سيؤثر مستقبلاً على سياساتها النفطية داخل وخارج «أوبك»، إذ إنه عندما يكون النفط «مصدراً» أمر مختلف عما إذا كان النفط هو «المصدر». ولعل ما يحدث في الكويت جرس إنذار لباقي دول «أوبك».