&علي بن محمد الرباعي

هناك حساسية سمعية تمكّن الفطن من التفريق بين خطيب مؤدلج تابع لأجندات أو متعاطف معها، وبين خطيب مستقل، يخشى الله في ما اؤتمن عليه من أمانة الكلمة والنصح الخالص لوجهه تعالى.

الخطباء الفقهاء يعلمون جيداً أن الحضور أمامهم يوم الجمعة الملزمين بالإنصات يأتون من ظروف اقتصادية متفاوتة، وينتمون لثقافات دينية متباينة، ويحملون جنسيات إسلامية متعددة، فيوظّفون قدراتهم في التركيز على القاسم المشترك الأعظم بين مكونات الحضور متمثلاً في توحيد الله، وفي العبادات، والأخلاق، والرقائق التي ترتقي بالمشاعر وتطهر الجوارح وتهذّب السلوك.

في حديث العرْباض بن سارية (وعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلاةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ...) الحديث يؤكد على أساسيات الخطابة والوعظ، منها (المقدمة) وتتمثل في البلاغة، و(النتيجة) التي يترتب عليها وجل القلوب، وذرف العيون.

الخطباء الحكماء، يُحسنون اختيار المواضيع، ويتلطفون في العبارة، ويشفقون على المعدم واليائس والمحزون، ليكونوا مفاتيح خير ومداوي أسقام، ومعالجي صدور، ومقومي سلوك.

لا أبلغ من خطبة تنتشلك مما أنت فيه من معاناة الأسبوع، وتطهر وجدانك لتخرج من الجامع وأنت بحالة نفسية وإيمانية غير التي دخلت بها.

الخطباء المؤدلجون، مصممون على تسييس الخطبة. ما يخلق حالة من التوتر في فضاء بيت الله (الروحاني) ويجيّش مشاعر العداء تجاه الحياة والأحياء، ويزرع الشك والريبة وسوء الظن داخل المواطن لينفر من وطنه ويتذمر من رموزه ويكره منجزاته.

من يأتي للجمعة لديه في الغالب قنوات فضائية يسمع منها قبل نومه آخر النشرات، وعندما يستيقظ يبدأ بفتح الجوال ليتوارد عبر الرسائل ما يعكّر مزاجه، فيخرج للمسجد مُعبأً بالطاقات السلبية فهو أحوج ما يكون لخطيب متفقّه، يعالج سقمه، ويخفف متاعبه، ويجدد أمله، ويغذيه بطاقة إيجابية، وليس بحاجة لخطيب يزيده شحناً وتوتراً ليخرج من صلاته متوحشاً يتعارك مع حجارة الأرض.

الصخب، والكراهية، والعنف، من سمات الحياة اليومية، ونربأ بأطهر البقاع وأحبها إلى الله عن بث الأحقاد في مشاعر المصلين ضد المكونات البشرية لأننا بعثنا مبشرين وهداة، والخطيب الموفق قادر على انتشال المخاطبين من بؤر التوتر والانفعال، والسمو بأرواحهم إلى مدارج التفاؤل.

ليست مهمة الخطيب الناجح تخريج محاربين، بل رفع كفاءة المسالمين.