عبدالله السويجي

«الشعب يريد إسقاط النظام»، عبارة سهلة تكررت منذ بداية الاحتجاجات في العام 2010، في أكثر من عاصمة عربية وغير عربية، بعضها بدأ باحتجاجات طالبت بالإصلاحات واستمرت كذلك ونجحت (النموذج التونسي)، وبعضها تحول إلى صدامات مسلحة أحرقت الأخضر واليابس، وتركت البلاد في فوضى عارمة حتى الآن (النموذجان السوري والليبي).
بعد عشر سنوات، يعود الشعار ذاته يطرق أبواب الشوارع ليخرج الناس مرددين العبارة، من دون دراسة أو فهم لمعناها الحقيقي وآلية تنفيذها. الشعب العراقي يعود باحتجاجات إصلاحية ظاهرياً ولإسقاط النظام جوهرياً، بسبب فشل القضاء على النظام الطائفي الاستبدادي المدعوم بقوة دكتاتورية (إيران)، التي تقمع المتظاهرين بقوة وعنف، وأوقع التصدي لها 150 قتيلاً وأكثر من 2000 جريح. هناك دعوات في الأردن الآن لإسقاط النظام، وحذّر وزير الداخلية الأردني الأسبق حسين المجالي من التقليد الأعمى (يقصد النموذج اللبناني)،

وغرّد بأن من ينبغي أن يسقط هو حصرياً من يدعو لإسقاط النظام، وهي عبارة ملتبسة، ربما يشير فيها إلى الجهة المحرضة، ويرد فيها على تغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي. نشطاء مغاربة يدعون للتظاهر تزامناً مع ذكرى وفاة شاب مغربي عام 2016 في

مدينة الحسيمة شمالي المملكة. الجزائر تشهد أيضاً مظاهرات لإسقاط النظام بأكمله ولا تكتفي بتغيير الوجوه، وفق شعارات المتظاهرين.
إسقاط النظام لا يعني فقط إسقاط رئيس الدولة، أو الوزراء أو النواب، لقد أسقط المتظاهرون رؤساء دول وبقي النظام، وأسقطوا رؤساء وزارات وبقي النظام، لأن النظام هو هذا الكل القانوني والتشريعي وتعفّن إدارة مؤسسات الدولة، وهو الدستور والمؤسسات وهيكلية الوزارات، وفي بعض الأحيان، كلبنان مثلاً، هو النظام الطائفي المدعوم بقوانين وتفاهمات، وحين نقول النظام الطائفي فإن الشعب متورط فيه حتى النخاع، لأنه انتخب على أساس طائفي وحصل على وظيفة على أساس طائفي، بل وظهر في احتجاجات على أساس طائفي،

وبالتالي فإن إسقاط نظام كهذا عملية صعبة للغاية، كمن يقتلع شجرة من جذورها. وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا، النظام متغلغل في كل صغيرة وكبيرة، وإسقاطه يعني إسقاط أنظمة كثيرة في داخله وليس نظاماً واحداً، وأيضاً ليبيا وغيرهما.
ويبدو أن رافعي الشعارات لا يعلمون تركيبة الأنظمة التي يريدون إسقاطها، لذلك فإن الوسائل تكون خاطئة أو غير ناجعة، والمظاهرات ليست الطريقة الأمثل، لنتخيل كيف سيسقط النظام الملكي مثلاً وهو متجذر دستورياً وشعبياً ومؤسساتياً منذ عشرات السنين، وتغييره لا يكون في الشارع ولكن من الداخل، أي مؤسساتياً، وهذا ينطبق على الأنظمة الجمهورية التي لا تختلف عن الأنظمة الملكية، كنظاميّ بشار الأسد ومعمر القذافي وبن علي وحسني مبارك، هؤلاء كانوا يحكمون في نظام جمهوري ولكن بروح ملكية.
النظام الذي يريد المتظاهرون إسقاطه في العالم العربي يشملهم أيضاً، لأنهم جزء من النظام، من حيث العقلية والسلوك والتوجهات وتجاوز القانون والفساد والرشاوى وغيرها. الشعوب هي التي جذّرت هذه الأنظمة بالتماهي معها، وإيجاد الثغرات في القوانين، وممارسة الرشوة والفساد والطائفية والاستزلام، وهي التي باعت أصواتها للسياسيين. وسأطرح فكرة غريبة؛ فلو ظهر المتظاهرون رافعين شعار (الشعب يريد إسقاط الشعب) بما يحمله من إسقاط للسلوكيات الخاطئة، فإن النظام السياسي سيسقط وحده، لأن عوراته ستتضح، وسيشعر السياسي أنه أمام شعب غير فاسد لا يُشترى ولا يُباع.

شعار إسقاط النظام شعار طموح جداً لكنه غير واقعي وآلياته غير ناضجة، لأن من يرفع الشعار هو جزء من النظام سياسياً وأخلاقياً وقيمياً، ولو بدأ الشعب بإسقاط نفسه، بمعنى القضاء على الممارسات الخاطئة التي يمارسها يومياً، فإن ذلك سيؤدي إلى إسقاط النظام، بالقانون والمحاسبة، فهل ستتحلى الشعوب العربية المنادية بإسقاط الأنظمة بالجرأة وتطالب بإسقاط نفسها من حيث السلوك والممارسة وعدم ارتهانها للطائفية والحزبية الضيقة والاستزلام ؟!

&