& بدر بن سعود&

الإرهاب والكراهية يتشاركان في مبدأ العنصرية والأنا المتضخمة عند الفاعل الذي يعد نفسه أفضل من الآخرين في دينه أو عرقة أو مجتمعه أو طبقته الاجتماعية وهكذا، وهذا المعنى يفترض أن الإرهابي الذي يفجر مسجداً لا يختلف عن الإرهابي الذي يفجر كنيسة..

أعمل في الوقت الحالي على تدريس مكافحة الإرهاب لطلاب الماجستير في إدارة الأزمات والكوارث بالمقر الرئيس لجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، وكنت قد طرحت عليهم سؤالاً حاولت من خلاله أن أقف على أفكارهم عن الأعمال الإرهابية وجرائم الكراهية، وجاءت صياغته بهذا الشكل: هل يمكن اعتبار الإرهاب جريمة كراهية؟.. ولماذا؟.

بطبيعة الحال لم يكن الطرح اعتباطياً أو ترفاً فكرياً، فقد رغبت في واقع الأمر أن أدرس قناعاتهم واختبر انطباعاتهم الخاصة، وكان هذا أكبر من اهتمامي بالأفكار والعبارات الجاهزة التي ينقلونها عن الآخرين، لأن الذي ينقل فكر غيره من دون تعديل أو إضافة أو بصمة شخصيــة تميزه هو، في رأيي، بلا شخصيـة معرفية ولا يستطيع الالتزام بموقف ثابت، وأقرب ما يكون لجهاز التسجيل الذي نستطيـع مسحه وتسجبل مادة جديدة عليه في كل مرة، تماماً كالإسفنجة التي تمتص كل شيء دون أن تميــز، والبيئة التعليمية في المملكة شجعت هذه الممارسات في فترة مضت، واحتفت بأصحاب الذاكرة الفوتوغرافية على حساب نظرائهم المفكرين وأصحاب العقول، والنتيجة أن هؤلاء تشربوا الفكر المتطرف من دون غربلة، تماماً كما يتشربون المادة بفواصلها ونقاطها وموقعها ليلة الاختبار، ثم يفرغونها على أول ورقة تقابلهم بطريقة تشبه إفراغ شاحنة الرمل لحمولتها، وبعض هؤلاء ربما أورد سرداً لا علاقة له بالإجابة كـ"أنظر الشكل" أو راجع "الباب الخامس" في تصرف ميكانيكي يحرض على الابتسام.

حتى لا نضيع، الردود على السؤال تفاوتت بين تأكيد العلاقة ورفضها، ومن بين الموافقات، أن الإرهاب وجرائم الكراهية قد يأتيان بدافع صبياني وللإثارة والدراما، أو أنهما يمثلان ردة فعل انتقامية لإهانات شخصية أو مجتمعية، ومن الأمثلة، ارتفاع جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين وبنسبة 1600 في المئة بعد 11 سبتمبر، وزيادتها بصورة مشابهة بعد هجمات باريس في 2015، ومن بين الإجابات الرمادية، تصنيف الكراهية باعتبارها سبباً يحتمل أن يحرض على الإرهاب، في أحـوال معينة، ولكنـه لا يكفي لوحده لقيام فعل إرهابي، ولست من أنصار جماعة "لكن" على طول الخط، إلا إذا قدمت الجماعة أسباباً وجيهة لرأيها، ومن قال بالكلام الأخير ربطه بمسألة معقدة وغير متوقعة، وقال بأن هذا الرأي محكوم بالتفسير القانوني وإرادة الدولة وطريقة توظيفها للحدث، ولعل في هذه العبارة ما يشير إلى أن صاحبها لديه حس نقدي وتحليلي وينظر لما سيكون لا ما كان أو لمسافة أبعد من غيره.

الأجمل من ذلك من زاوج بين الفكرتين، وقال بأن الحدث الواحد يقبل أن يكون جريمة كراهية وعملاً إرهابياً، ومن زاويتين مختلفتين، ودليله ما وقع في الملهى الليلي بـ "أورلاندو" سنة 2016، فالفاعل كان متحيزاً ضد المثلية (كراهية) وناقم على الحكومة الأميركية وسياستها في الشرق الأوسط (إرهاب).

التفكير في مسألة من نوع الإرهاب والكراهية لا يقبل المعادلات الثابتة، وطبيعته زئبقية قلقة وغير مستقرة، فالإرهاب، كما قال طلابي، فعل مشروع ضد المحتل الغاصب، وهو قد أدلج الكراهية لاستهداف الأعراق والأديان مثلما فعلت داعش في تفجيرها لمساجد فئة من فئات المجتمع بالمنطقة الشرقية، والإرهاب والكراهية يتشاركان في مبدأ العنصرية والأنا المتضخمة عند الفاعل الذي يعد نفسه أفضل من الآخرين في دينه أو عرقة أو مجتمعه أو طبقته الاجتماعية وهكذا، وهذا المعنى يفترض أن الإرهابي الذي يفجر مسجداً لا يختلف عن الإرهابي الذي يفجر كنيسة، وإن الميسور الذي يبالغ في تفاخره بما يملك أمام الناس يمارس إرهاباً معنوياً ضد الفقراء، ويتحمل مسؤولية انتحار فقير أو عاجز أو عاطل عن العمل بسبب تصرفه غير المسؤول، والصحيح أن محاكمته واجبة.

في الختام، هذه بداية خفيفة ومصافحة أولى لقارئي الجديد في صحيفة "الرياض" متمنياً أن يكون القادم أجمل وفي مستوى تطلعاته.

أهلاً وسهلاً بكم وموعدنا كل خميس في هذا المكان بإذن الله.









&