محمد نور الدين

انتهى أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي، على يد قوة خاصة أمريكية هاجمت مقر تواجده، أو إقامته، أو اختبائه في منطقة باريشا، في محافظة إدلب. انتهى البغدادي كما انتهى أسامة بن لادن على يد صانعيه، وداعميه. فهذا التنظيم الذي انتشر بسرعة، ومثل النار في الهشيم، ليس في سوريا فقط، بل في العراق، وليبيا، واليمن، ودول أخرى، ما كان له مثل هذا الانتشار والقوة الهوليودية الهائلة، وفي مدة قصيرة جداً، لو لم يحظ بالرعاية الكاملة ممن يسعون إلى تفتيت المجتمعات العربية والمسلمة بمختلف الوسائل.
مع ذلك، فقد أرخت عملية قتل البغدادي بظلالها على أكثر من تساؤل، وسؤال، لن تكون لها إجابات محددة وواضحة قبل مرور وقت طويل.
لقد شكر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، العديد من الدول والقوى التي ساعدت في عملية قتل البغدادي، منها العراق، وسوريا، وروسيا، وتركيا، وقوات الحماية الكردية.
وتبرأت روسيا من المساعدة، بل شككت في عملية قتل البغدادي نفسه. والعراق أعلن أنه ساعد كثيراً، وأن الطائرات انطلقت من أراضيه، ولاذت سوريا بالصمت. وقوات الحماية الكردية بدت مسرورة بدورها، أما تركيا فقد تباينت الآراء حول دورها.
المندوب الأمريكي لدى التحالف الدولي المناهض «لداعش» بيت ماكجرك، لا يرى دوراً لتركيا في العملية. بل يقول إن من المستهجن ألا تساعد تركيا في ذلك، رغم أنها حليف للولايات المتحدة، وعضو معها في حلف شمال الأطلسي، والبغدادي كان في منطقة تحت سيطرة تركيا، ومن معها. أكثر من ذلك، انتقد ماكجرك تركيا بأنها حّولت إدلب إلى جنة للإرهاب والإرهابيين المقدر عددهم بأربعين ألف عنصر.
لكن تصريحات المسؤولين الأتراك أكدت وجود تنسيق وتعاون بين أنقرة وواشنطن بشأن العملية ضد البغدادي. كما أن وزير الدفاع، وكذلك وزير الخارجية التركي، تحدثا عن تعاون، وعن دور تركي في العملية.

إن تصريحات ترامب والمسؤولين الأتراك عن دور تركي ما، هو أقرب إلى الصواب. لكن هذا لا يعني رغبة تركية في التخلص من البغدادي.
فعلاقة تركيا «بداعش» تحديداً كانت الأكثر جدلاً. فخلال الحرب في سوريا كان تنظيم «داعش» يتقاطع كثيراً مع أهداف تركيا في سوريا، ولا تزال صور قوافل صهاريج النفط المتواصلة كخط أنابيب ضخم، في الأذهان، وهي متجهة من داخل سوريا إلى الحدود التركية، أو العراقية، ومنها إلى ميناء جيحان في خليج الإسكندرون، ليتم تصديرها إلى العالم، ومنها «إسرائيل». ولا تزال، بالوثائق والصور، ماثلة في الأذهان عمليات «استيراد» الإرهابيين لمصلحة «داعش»، وغيره، عبر تركيا إلى سوريا. وعندما قامت تركيا بعملية «درع الفرات» كان احتلالها لجرابلس أشبه بنزهة، حيث لم تلق مقاومة من عناصر «داعش» الموجودين فيها، واستبدلوا ثيابهم بأخرى منضمين إلى الجيش التركي، ومن معه. وغالباً ما استعانت السلطات التركية بعناصر من «داعش» للقيام بتفجيرات دموية داخل تركيا ضد تجمعات مدنية كردية في أنقرة، وسوروتش، وغيرهما.

اليوم، مع مقتل البغدادي، تنشر وسائل إعلام تركية، وهذا ليس بجديد، كيف أن البغدادي كان موجوداً في إدلب منذ إبريل/ نيسان الماضي، بعد معركة الباغوز في سوريا قرب الحدود العراقية، بين القوات الكردية وتنظيم «داعش» والتي فر على إثرها معظم قادة «داعش» إلى إدلب. إن وجود البغدادي في إدلب منذ اكثر سبعة أشهر ما كان ليتم لولا رضى ومساعدة السلطات التركية. تماماً مثلما تحولت إدلب إلى مقر ومستقر لكل التنظيمات الإرهابية، ومنها «جبهة النصرة» المصنفة دولياً على أنها تنظيم إرهابي. أما منطقة، أو مزرعة باريشا فلم تكن تبعد عن الحدود التركية أكثر من خمسة كيلومترات، وهي منطقة تابعة لسيطرة ورقابة السلطات التركية. وتوظف تركيا كل هؤلاء المتشددين لمصلحة حركتها في أكثر من اتجاه، ولذا هي ترفض أن تنفذ اتفاقات سابقة مع روسيا لضرب الإرهابيين في إدلب، لأنها ستفقدها أدوات مؤثرة في سياستها، سواء في استخدامها ضد الآخرين، أو التضحية بها في مساومات، ومقايضات.
لقد بان واضحاً أن قتل البغدادي كان نتيجة صفقة متعددة الجوانب، تركيا أحد أطرافها الرئيسية، مقابل السماح لتركيا بالهجوم على المنطقة الكردية في شمال سوريا، بموجب اتفاق أنقرة بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ومثلما كان البغدادي صنيعة أمريكا، وتركيا، ها هو يلقى حتفه على مذبح المصالح المشتركة، وهو ما يؤكد أن القصة من أولها، إلى آخرها «أهلية بمحلية».

&