حسين شبكشي

هناك تيارات مؤثرة لا يمكن إنكارها، وبالتالي الإقلال من حجم تأثيرها على السياسات والقرارات والتشريعات. هذا ما يواجهه المعسكر الغربي عموماً اليوم. ولعل أهم «قوى التغيير» هذه هي:

1- التقنية وقوتها المتطورة التي تهدد بشكل جدي سوق العمل، لأن توغلها في القطاعات الصناعية أدى إلى الاستغناء عن مئات الآلاف من العمال والموظفين. وليس هذا هو التهديد الوحيد الذي تقدمه التقنية الحديثة، فهناك أيضاً تهديد خصوصية المواطن، والاعتداء على معلوماته، وكذلك تسخير التقنية للتأثير على الانتخابات الديمقراطية، أو الاعتداءات الفضائية على البنى التحتية الإلكترونية في المصارف وشركات المياه والكهرباء.

2- الصعود الكبير للصين كقوة اقتصادية، ستصبح قريباً أكبر اقتصاد في العالم، حيث إن «القيم» الإنسانية التي تقدمها الصين هي التسلط والحكم الشيوعي؛ وهي قيم عكس ما تروّج له المنظومة السياسية في الغرب. هذا، مع التذكير بأن الخطوة الانفتاحية التي أقدم عليها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، بمعونة وزير خارجيته هنري كيسنجر، مع قادة الصين ماو تسي تونغ ودينغ زياو بينغ، كانت السبب في انطلاقة الصين، ووصولها إلى ما هي عليه اليوم.

3- الشيخوخة، فالمجتمع الغربي يشيخ ويكبر في السن، ونسبة الفئات الشبابية في السنين العمرية تكاد تختفي؛ وهذه المسألة سيكون لها تبعات وآثار في منتهى الجدية على تكاليف العلاج والتأمين الصحي ونظام الهجرة والتعليم والتوظيف والتدريب والقدرة التنافسية والإبداع، مما يجعل الموضوع مسألة محورية وتحدياً وجودياً يحتاج إلى أسئلة صعب أن تطرح، والاستعداد لقبول إجابات أكثر صعوبة عنها.

4- التغير المناخي وموجات الحرارة الشديدة المتكررة تباعاً في أوروبا وأميركا الشمالية، ولسنوات طويلة، الآن أصبحت واقعاً مؤثراً على الرأي العام، رغم معارضة شديدة من المعسكر اليميني، سواء من قبل أصوات قطاع الأعمال الذي يخشى عواقب التكلفة الاقتصادية للإجراءات الوقائية المتوقعة للتعامل مع هذا التحدي، أو أصوات المنظمات الدينية التي ترفض فكرة أن يؤثر «المخلوق الإنسان على خلق الخالق»، وهو الطرح المدافع من قبل اليمين المسيحي المتطرف في مسألة التغيير المناخي، إلا أن المسألة تبحث بجدية للغاية في برلمانات هذه الدول وإعلامها ومنظماتها المدنية ومؤسساتها غير الحكومية لإحداث تشريعات قاسية لـ«حماية الكوكب» من تجاوزات البشر عليه.
هذه التيارات المؤثرة المهمة جداً، رغم كونها هاجساً خاصاً بالمعسكر الغربي، فإن آثارها ستصيب العالم بأسره، نظراً لما لديهم من قوة وتأثير ومقدرة على التغيير. ولعل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو اختصر كل هذه التيارات المؤثرة بتصريحه الأخير الواضح المباشر ضد الصين، الذي قال فيه: «الصين تسعى للهيمنة الدولية، ويجب التصدي لها».

وبذلك، يصعّد الرجل المواجهة مع الصين، ويختزل التيارات المؤثرة الأربعة منها. فالتقنية الصينية تنافس التقنية الغربية، وهي متهمة بسرقة الأفكار منها؛ والصين قوة منافسة تهدد مصالح المعسكر الغربي بشكل جدي؛ كما أن عدد سكانها المهول يهدد المجتمع الذي يشيخ في الغرب؛ والتغير المناخي فيه توجه صريح باتهام الصين كأحد أخطر ملوثي كوكب الأرض.
«تيارات مؤثرة وسياسات متغيرة» جملة فيها اختصار مقتضب للمشهد المثير.