مازن السديري

أعلنت وزارة المالية تقديراتها للميزانية الحكومية لهذا العام والسنوات القادمة حتى نهاية عام 2022، وشملت الأرقام مراجعة حجم الإنفاق والإيرادات وتوقعات حجم الدين السيادي والنمو الاقتصادي.. كما هو معروف فإن زيادة الإنفاق الحكومي تعد من مكونات حساب الناتج المحلي والتي ينمو معها إيجابيًا، لكن المسألة ليست بهذه البساطة، أولًا ما مدى كفاءة الإنفاق بحيث أن يكون العائد إيجابياً على كل ريال أنفق في الميزانية بأن ينعكس على النمو الاقتصادي؟ ولهذا ارتباط كبير بالشفافية ومرونة الأعمال وسرعتها.. ثانياً هو حجم القطاع العام إلى الخاص.. ثالثًا ما درجة وكمية العجز الذي تستطيع الدولة تحمله وحجم الديون الناتجة عنه؟

طبعًا شهدت المملكة مواجهة جادة ضد الفساد مست أهم شرائح المجتمع دون استثناء وتعززت هيئة مكافحة الفساد للتوجه بشكل أكثر تعمقاً وارتفعت كمية المعلومات واتصال البيانات المالية بين المؤسسات الحكومية وبعضها والقطاع الخاص مما يساعد على سرعة انتقال المعلومات والقرارات، وهذه جميعها مؤشرات لارتفاع كفاءة الإنفاق، ثانياً حجم القطاع الخاص صغير للقطاع العام؛ يكفي أن نذكر أن قرابة 60 % من القوى العاملة تعمل للقطاع العام، لكن التشريعات الأخيرة ساعدت في نمو القطاع الخاص حيث ارتفعت جميع القطاعات الخدماتية التي تشكل 28 % من الناتج المحلي والتي يساهم فيها القطاع الخاص بشكلٍ كبير مثل النقل وتجارة التجزئة والخدمات المالية ساعد ذلك مشاركة المرأة وظهور أنشطة جديدة مثل الترفيه وغيره حيث انخفض حجم الانكماش من -1.1 % الى -0.7 % واستمرار الارتفاع الإيجابي لحجم عرض النقود M3 الى 2.7 % ومعدلات الإنفاق الرقمي بلغت نمواً وصل 27 %، وهو ما يدل على أن الإنفاق الرقمي يرتفع على حساب الإنفاق النقدي. وأيضاً تحسن أرقام البناء والتشييد بدليل نمو القروض العقارية بشكل لافت وارتفاع مبيعات الأسمنت ومواد البناء لأول مرة على أساس سنوي منذ العام 2015.

فمن هذه الأرقام يتضح أن انخفاض الإنفاق مالياً لهذا العام بنسبة 6 % لا يعني انخفاضه اقتصادياً ومع السنوات المقبلة سوف يرتفع حجم القطاع الخاص ونسبة القوى العاملة فيه.

ثالثًا أن حجم العجز سيكون في إطار تناقصي غير مقلق حيث سينخفض العجز من 131 ملياراً إلى 92 سوف يسدد 60 % من مجموعها عبر القروض ويبقى بعد هذه السنوات بما يقدر 365 مليار ريال احتياطي حكومي، وسيكون معدل الديون 30 % للناتج المحلي ومعدل أقل من متوسط أهم ثلاثين دولة نامية حيث تبلغ 50 % حسب بيانات IIF.

أخيراً هذا التغير في خطط الإنفاق يعكس سرعة المملكة لتعديل خططها مع التغيرات الخارجية والتباطؤ الاقتصادي العالمي الذي شمل جميع السلع بما فيها أسعار البترول، وأيضاً مراعاة التغيرات الداخلية ولو نعود للتاريخ فإن الاحتياطيات الحكومية نفدت عام 86، وبلغ الاحتياطي الأجنبي عند أدنى مستوياته عام 98، والسبب كان عدم السرعة في مراجعة الإنفاق وانعكاسه اقتصادياً.