محمد كركوتي

&"سنطالب الحكومة البريطانية رسميا بالصلاحيات لإجراء استفتاء ثان لاستقلال اسكتلندا"

نيكولا ستورجيون، الوزيرة الأولى في اسكتلندا

ستكون الانتخابات البريطانية العامة التي ستجري في الـ12 من كانون الأول (ديسمبر) الأهم على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية. لا يجادل المتخاصمون أو المراقبون حتى الناخبون في ذلك. هي في الواقع "نتاج" خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، رغم أن هذا البلد لم يخرج بعد، وبعد ثلاثة تأجيلات كانت آخر نهاية الشهر الماضي. كما أن هذه الانتخابات بصرف النظر عن برامج الأحزاب السياسية المتنوعة، خاضعة لسيطرة "بريكست" وآفاق الخروج البريطاني برمته. كل شيء صار على الهامش تقريبا، بما في ذلك الخدمات والإنفاق والرعاية الصحية والأمن والبيئة وغيرها، لأن كل شيء أصبح مرتبطا بهذا الخروج الذي لم يحصل بعد، وأعاد تشكيل الخريطة السياسية للبلاد، وتسبب في مشكلات إجرائية لم تحدث مسبقا.
ورغم طبيعة هذه الانتخابات المحلية الوطنية، إلا أنها ليست كذلك عمليا. لماذا؟ لأنها مرتبطة بصورة مباشرة بالخارج، أوروبا، الولايات المتحدة، بقية دول العالم. وهذا الرابط يتعلق بشكل علاقات المملكة المتحدة مع هذه الأطراف المحورية. والأحزاب التي ستدخل "حرب" الانتخابات لها برامجها أو لنقل مفاهيمها في هذا الصدد. المحافظون الذين يحكمون حاليا بأقلية برلمانية، سيسعون إذا ما انتصروا إلى علاقات وثيقة جدا مع الولايات المتحدة من الجانب الاقتصادي على الأقل، وإلى علاقات دولية تقوم -كما يعلنون- على قوانين "منظمة التجارة العالمية. بالطبع لا يتحدثون عن عداء اقتصادي لأوروبا، بل لا يضعون العلاقات المستقبلية من شركائهم الحاليين في المقدمة. إنهم ببساطة يحملون أوروبا مسؤولية فشل الحكومات البريطانية المتعاقبة. وهذا أمر ترفضه كل الأحزاب المنافسة الأخرى، باستثناء حزب "بريكست" الذي يفسر اسمه مواقفه.

حزب العمال "وهو الثاني في البلاد من حيث عدد نوابه في مجلس العموم"، له رؤية مختلفة تماما، بل متصادمة مع "رؤية المحافظين". وهذا أمر طبيعي بين الحزبين، خصوصا بوجود زعيم لحزب العمال كجيرمي كوربين. فهذا الأخير معروف بمواقفه السياسية المتطرفة، ومفاهيمه التي تعود لزمن الحرب الباردة، لكنه في الوقت نفسه يتخذ موقفا معتدلا من الاتحاد الأوروبي، ويرى أن من الضروري عرض أي اتفاق مع الاتحاد في المستقبل لاستفتاء عام، مع خيار البقاء فيه. وهو بالطبع يتصدر قائمة الأعداء العنيفين لأي علاقة خاصة مع الولايات المتحدة، ويعد أن حكومة محافظة "ستبيع" بريطانيا لواشنطن فور وصولها إلى السلطة بعد هذه الانتخابات. كما أنه يريد إرجاع قوانين اقتصادية بادئة تقوم على تأميم المؤسسات، وهذا أمر خطير في انتخابات عامة كهذه.
الانتخابات المقبلة ولأنها تاريخية ستتم لأول مرة منذ 123 عاما في فترة عطل أعياد الميلاد. فالساحة السياسية لم تعد تتحمل برلمانا منقسما على نفسه، لا يمكن أن يمرر قوانين حاسمة واستراتيجية نتيجة للخلافات الفادحة بين أعضائه. كان لا بد من إجراء انتخابات حتى لو اضطر الأمر إلى إطلاقها تحت جنح الظلام. لكن في النهاية، لا أحد من الحزبين الرئيسين يضمن حصوله على أغلبية برلمانية بعد هذ الانتخابات. لماذا؟ لأن الانقسام السياسي والاصطفاف النيابي أسهما في "خربطة" الساحة السياسية. والسبب يبقى دائما "بريكست" الذي جعل نوابا يتمردون على أحزابهم، ويفصلون منها، ونشر ثقافة جديدة بل غريبة في كل الميادين، إلى درجة أن تعرض نواب وسياسيون إلى اعتداءات عنيفة نتيجة مواقفهم، أو تصريحاتهم الخاصة بالانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي.
لا شيء سيكون مضمونا في هذه الانتخابات. فحتى بقاء المملكة المتحدة بكيانها الحالي صار محل شك. الاسكتلنديون الذين صوتوا لمصلحة البقاء في الاتحاد، بدأوا بوضع المخططات للحصول على استفتاء ثان حول استقلال إقليمهم عن المملكة. فهؤلاء يعدون انفصال بريطانيا جاء ضد رغبة سكانهم. وهذا صحيح إلى أبعد الحدود، وبالتالي لا بد من الناحية الديمقراطية (بحسب زعمهم) منح اسكتلندا فرصة التصويت على الانفصال عن المملكة المتحدة أو البقاء فيها. وهذه النقطة تؤرق الحكومة المركزية في لندن منذ عقود، على الرغم

من أن الاستفتاء الأخير على هذا الانفصال الذي حدث في 2014 جاء لمصلحة البقاء ضمن حدود المملكة ككل. والأمر ليس أكثر إشراقا على الجانب الإيرلندي. فهذا الأخير فيه من التعقيدات ما لا تستطيع أي حكومة حله بصورة نهائية.
الانتخابات البريطانية العامة المقبلة ستعيد تشكيل الخريطة السياسية للبلاد، عبر تحقيق أحزاب صغيرة انتصارات تؤهلها للحصول على مقاعد أكثر في مجلس العموم بما فيها حزب "بريكست" الذي "سيسرق" الناخبين المتحمسين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من حزب المحافظين، كما "سيسطو" الحزب الديمقراطي الليبرالي الذي أعلن أنه سيلغي "بريكست" أصلا على عدد من مقاعد حزب العمال. ناهيك عن نواب اسكتلندا الذين "يقاتلون" من أجل بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، نزع التاج البريطاني عنهم. إنها انتخابات تاريخية مثيرة لن تشبه أخرى لعقود عديدة مقبلة. انتخابات ستعيد تشكيل المشهد السياسي المحلي الذي اعتاد عليه البريطانيون والعالم.

&