أحمد الصراف
&

يميل أغلبية المتشددين دينياً ليس فقط لتجاهل نظريات دارون، بل يميلون أيضاً لاحتقاره. وتظهر مواقفهم الحادة منه من خلال رفضهم التطرق ليس فقط لنظرياته الخارقة التي فتحت آفاقاً رحبة أمام البشرية، بل وحتى رفض الحديث عنه وعن سيرته وتاريخه، فهل هناك تجاهل أكبر لأعظم عالم عرفته البشرية في تاريخها؟ فلا وسائل إعلامنا ولا مناهج مدارسنا تأتي على ذكر سيرة هذا العالم الفذ الذي زلزلت نظرياته أركان أعتى الصروح الدينية في أوروبا. يقول الزميل والدكتور خالد منتصر: هم يتحدون المستقبل ويتحضرون به، ونحن نتراجع بالماضي ونتخدر به! وهذا صحيح، فالعالم أجمع يسعى إلى تحدي المستقبل وإطلاق العنان للفكر الحر والخيال، والسماح للعقل بأن ينطلق لأكثر الآفاق رحابة وانفتاحاً!

فالخيال هو نواة كل ما نعرف من منجزات، ففكرة الشيكات السياحية وبطاقات الائتمان وشركتي أوبر وغوغل وأجهزة الهاتف الذكية وعشرات آلاف المكتشفات الأخرى لم تظهر هكذا، بل سبقها تخيل ما من شخص ما. فلم لا يكون لدي جهاز هاتف ويكون لمن أود التحدث معه، البعيد عني بآلاف الأميال، جهاز مماثل، ويكون بالإمكان رؤية بعضنا بعضاً والتحدث معاً؟ ولم لا أستطيع الطيران كما يستطيع الطير؟ ولماذا يصعب تسخين الأطعمة من دون استخدام الحطب أو الغاز أو الفحم، بل عن طريق موجهات المايكرويف؟ أليس الخيال هو الذي كان وراء المصباح ومئات أو عشرات آلاف الاختراعات الأخرى؟ لماذا يجب أن أضع عقلي في قالب محدد وأدرب تدريباً صارماً على كلام غيري ليتحكم بي كما يشاء؟

ولم لا أحاول، أو حتى أن أفكر، بالخروج من النمطية التي وضعني فيها المجتمع أو المدرسة؟ لقد حرمونا من الخيال، بحجه أنه جنون أو خروج على القيم والدين فتخلفنا. أما هم، فلم يترددوا في فتح الأبواب على مصراعيها للخيال لكي ينطلق، فتجاوزوا غلاف الأرض وتخلصوا من الجاذبية ثم نجح الإنسان، بخياله أولاً، وبالفعل تالياً، أن يضع إنساناً على سطح القمر ويعيده سالماً، ثم يرسل مركبات الفضاء لكواكب ومجرات بعيدة عنا بمليارات الكيلومترات لتلتقط الصور وتشحن خيالنا أكثر وأكثر. فهذا الخيال هو الذي توقع وجود ثقوب سوداء، وهو الذي توقع قبلها بمئات السنين كروية الأرض، وأنها ليست مركز الكون، وأنها كوكب غير ثابت. علينا أن نغير مناهج المدارس، ونطلق العنان لخيال أطفالنا ونشجعهم على الانفتاح على مختلف العلوم، وندفعهم دفعاً لأن يروا العجب وينبهروا ويتعبوا ويجتهدوا، فالعالم لا وقت لديه لانتظار أحد، ولا مكان فيه للخائبين الكسالى الذين قبلوا بوضعهم!


&