&حمد الكعبي&

ليمنح السلطان رجب طيب أردوغان مزيداً من «فرمانات» الجنسية لقادة «الإخوان» في تركيا، وآخرها قبل أيام، فهذا ثمن بسيط يدفعه الرجل، مقابل «بيعتهم» له خليفةً للمسلمين، وهي على أية حال بيعة سياسية مشينة، بين وريث محتل، وتنظيم يستثمر في أكاذيب التاريخ، وكوابيسه، ويلوك سرديته الركيكة عن «فاتحين» و«خلفاء»، ما نزال نبحث لهم عن أي إضافة مهمة إلى إرث الحضارة العربية الإسلامية.
نعم، هذا شأن أردوغان، المرشد الجديد لـ «الإخوان»، وهو يجتهد في محاولة استئناف صفحات دامية من التاريخ العثماني، وذلك شأن «الإخوان» في تصفيقهم الطويل للمحتل، كما شاهدناهم قبل أسابيع وهم يدافعون وحدهم عن العدوان التركي على شمال شرقي سوريا، ممجدين أردوغان، وهو يستعير صورة السلطان السفاح سليم الأول، الذي دخل دمشق بعد معركة مرج دابق، العام 1516، ثمّ مصر، وأعاد إلى الأذهان توحش التتار وهمجيتهم.
أما شأننا، نحن أحفاد العرب الذين عاشوا تحت الاحتلال العثماني من شمال أفريقيا، إلى مصر والشام، وجزيرة العرب، فهو أن نعيد قراءة التاريخ، منزوعاً من أية قدسية أو شعارات أو أوهام، لأجل استعادته من التزييف والدجل، وإعادة طرح الأسئلة الكبرى، بعيداً عن «فرمانات» السلاطين، والنشاط العقاري الإخواني في إسطنبول، لا سيما أن الصفحات لم يطوها النسيان، وعاشها غيرنا، ممن عانوا من الاضطهاد العثماني والتتريك، من الأرمن، إلى القبارصة، ومسيحيي الشام، والدروز والأيزيديين، وغيرهم.
كان نزاعاً سياسياً قبل معركة مرج دابق، وصل إلى الاصطدام، مدفوعاً بالنهم الإمبراطوري للهيمنة والسيطرة على الموارد العربية، ومن حق أي كان أن تكون له قراءة مختلفة، إلا أن يصف المعركة بـ «الفتح المبين»، ويتجاهل أن المماليك كانوا مسلمين أيضاً، ومصر والشام حاضرتين بارزتين لإشعاع وتنوير الحضارة العربية والإسلامية، التي سعى المحتل طوال قرون سيطرته إلى طمسها، ومحو أثرها في الحضارة الإنسانية.
لم يكن ذلك إلا احتلالاً، بكل الدلالات والسياقات الموضوعية والتاريخية، وإنكاره لا يشبه إلا إنكار «الهولوكوست» التركي ضد نحوٍ مليون ونصف المليون من الأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى، ثمّ ذبح الآشوريين والكلدانيين والسريان، في سلسلة مذابح أهلكت أكثر من 600 ألف إنسان، أو إنكار جرائم العثمانيين في القاهرة، العام 1517، عندما ذبحوا في يوم واحد قرابة عشرة آلاف شخص، واقتحموا الأزهر الشريف، وخربوا آثار مصر، وسرقوا كنوزها الحضارية.
ذلك كان من التاريخ، ولم يكن لأحد أن يفتح كتابه، لولا أن واحداً من بني عثمان، يحلم باستئنافه على نحو أو آخر، وتقع الآن على المؤسسات الثقافية والبحثية، ومراكز الإنتاج الإعلامي والدرامي مسؤولية التصدي لتزوير التاريخ، ورده إلى الحقائق الموثقة في مكتبات العالم.

لذلك، ولغيره، فإن العمل الدرامي الضخم «ممالك النار» المنتظر بثه بعد أيام، يمثل أبرز محاولة عربية جادة وحصيفة في هذا الصدد، لا سيما أن المادة البحثية على سوية عاليةٍ من الدقة والنزاهة، وتهيأت لها كل الأدوات الإنتاجية والإمكانات الفنية، وكل ذلك لنستعيد حقنا، ولو في رواية منصفة، ولندع الآخرين يستمتعون بما هم فيه من هوان، و«سُخرة»!.

&