عبدالله السويجي

خير خلف لخير سلف، عبارة اعتاد الناس وخاصة العرب أن يستخدموها في سياق اجتماعي للدلالة على نقاء النسل واستمرارية السلوك الحضاري للفرد الذي يخلف أبيه، ويشمل التمتع بمنظومة راقية من الأخلاق وممارسة العادات والتقاليد، والتعامل النبيل مع الناس.
فهو يُشرِّف أبيه ويضمن استمرارية الصورة الجميلة في أذهان الناس، فيكون بذلك خير خلف لخير سلف. أما أن تُستخدم العبارة ذاتها في السياسة والعلاقات العامة وإدارة الدول وشؤون الحكم، فهو أمر قد يُعطي دلالات عالية ومعاني عميقة، وقيماً أصيلة، ويحقق انسجاماً لا مثيل له في استدامة النهج والإخلاص للمبادئ والإيمان بالاستراتيجيات، وهو أمر لا يحدث كثيراً، خاصة أن التاريخ مملوء بالشواهد التي أثبتت التغير في السياسات، وأحياناً التناقض فيها، في محاولة من «الخَلف» للاختلاف عن «السلف»، ورسم سياسة جديدة كلياً، ويذكر التاريخ نماذج كثيرة اختلف فيها الابن عن أبيه، والأخ عن أخيه اختلافاً جذرياً.

حين تسلّم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان، مسؤولياته حاكماً لإمارة أبوظبي ورئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة عام 2004، بعد انتقال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى بارئه تعالى، برزت هذه المقولة (خير خلف لخير سلف) تيمناً، بأن يسير الابن على نهج الأب، أو ثقة بأن الشيخ خليفة سيسير على درب والده الشيخ زايد، وفي الحالتين تكتسب العبارة بُعداً اجتماعياً وسياسياً، وتحمل الأمل والشموخ والاعتزاز، وهذا التمني مبني على أن الشيخ خليفة تربى في كنف والده ورافقه منذ صغره، وتعلم منه فن القيادة والتعامل مع الشعب تعاملاً إنسانياً عالياً بمسؤولية كبيرة، وبالتالي فإن الشيخ خليفة هو من «عيال زايد»، وهذه العبارة وحدها تحمل كماً كبيراً من المعاني والدلالات والأصالة، حتى إنها شملت كل أبناء الإمارات، فكل واحد من الشعب يعتبر نفسه من «عيال زايد»، وكل واحدة تعتبر نفسها من بنات زايد، ما يعني أن زايد أسس لأبوة ترسخت مع مرور الزمن، والتصقت معاييرها بالشعب الذي بات يرنو إلى أن يكون مثالاً للمواطن الصالح المنتمي لوطنه وقيادته، فأي سلوك غير سوي قد يقوم به أي مواطن، سيجد من يقول له: (هذا ما يصير، نحن عيال زايد). وأجيال كثيرة نشأت وفق هذه الروح.

صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، تمكن بجدارة عالية من أن يُثبت لشعبه وللعالم أنه «خير خلف لخير سلف»، وأن يحافظ على المقولة المعروفة «عيال زايد»؛ كون سموه واحداً منهم، لكن سموه استطاع أيضاً وإن سار على نهج الشيخ زايد أن يحقق إنجازات تعتبر إضافات نوعية لمعايير المسيرة السياسية والوطنية والتنموية؛ إضافات تنسجم تماماً مع نهج الشيخ زايد، من حيث الانطلاق بدولة الإمارات العربية المتحدة إلى آفاق سامية، وتحقيق المزيد من الرفاهية لأبناء الإمارات، من دون أن تفرّق بين الشاب والفتاة، حتى بات يعرف عهد الشيخ خليفة بعهد التمكين؛ تمكين المرأة في علمها وعملها.. تمكين الشعب من المشاركة في صناعة القرار عن طريق المجلس الوطني الاتحادي، وتمكين الشباب من خلق منصاتهم وأطرهم الخاصة، وتمكين المبتكرين والعلماء من ارتياد الفضاء، وتمكين الجسم القانوني لتصبح الإمارات دولة قانون، وأخيراً تمكين الشعب من أن يكون في مقدمة الشعوب في مؤشر السعادة، ومعاييرها معروفة للجميع، وهذا التمكين بما يحمل من فلسفة تركت بصمتها على الأجيال. فقد أصبح في الإمارات ما يمكن تسميته ب«جيل خليفة»؛ هذا الجيل الإلكتروني إن صح القول حيث يعيش في حكومة إلكترونية، وهذا الجيل الفضائي، أيضاً إن صح القول، حيث صعد أحد الشباب وهو هزاع المنصوري إلى الفضاء، وهذا الجيل هو جيل المستقبل الواعد القادر على إدارة الدولة في عالم متغير ومتطور جداً، وهو عالم التكنولوجيا والتقنيات المتطورة.
وهكذا، فإن ترجمة مقولة «خير خلف لخير سلف» لم تكن سهلة على الإطلاق، لكن التقاء المعايير الاجتماعية والسياسة بالعلمية المصحوبة بالإرادة، جعلت المقولة حقيقة واقعة يُباهي بها القائد العالم، معتزاً بشعبه؛ شعب المستقبل الزاخر بالرفاهية والتنمية والرخاء والأمن والاستقرار.
فهنيئاً لنا برئيسنا «خير خلف لخير سلف».

&