وائل مهدي&

لم يتبقَّ سوى أيام بسيطة على انتهاء اكتتاب أرامكو السعودية؛ ومع هذا لا يزال هناك تردد من أشخاص كثيرين حول الدخول في الاكتتاب. البعض لديه حجج منطقية مثل الانتظار حتى يبدأ تداول الأسهم، والبعض لديه مخاوف من الاكتتابات السابقة التي خسروا فيها كثيراً من مدخراتهم.

كلتا الفئتين لديها حجج كان ممكناً معالجتها قبل الاكتتاب؛ إذ من المهم محو الصورة السيئة والتجربة المؤلمة التي مر بها كثير من السعوديين في 2006 عندما بدأ الانهيار الكبير للأسهم.
لكن لكل هؤلاء أريد أن أقول إن أرامكو السعودية ليست كباقي الشركات، حتى وإن تذبذبت قيمتها السوقية فهي استثمار آمن جداً طويل الأجل، والسبب في ذلك سهل. هناك طلب على النفط للعشرين عاماً المقبلة وأرامكو تدفع عوائد سنوية تفوق بكثير ما يمكن لأي سندات حكومية دفعه. إذ ستضمن أرامكو السعودية عوائد سنوية قدرها من 3 إلى 5 في المائة على الأسهم، في حين تدفع السندات الأميركية ما يقارب 1.75 في المائة حالياً.
هناك من يقول إن استثمار أموالهم في أصول تدفع عوائد أكبر وأسرع أفضل من الدخول في استثمار كهذا، ولكن ما يجب أن يعلمه الجميع أن جميع الاستثمارات الآمنة لا تدفع عوائد كبيرة نظراً لقلة المخاطر؛ ومخاطر أرامكو بالتأكيد أقل من غيرها. إن الاستثمار في أرامكو يجب أن يكون طويل الأمد، ومن أراد شراء الأسهم تقبل تذبذب القيمة السوقية - مثلها مثل أي سهم في العالم... ولكن هناك احتمالية أن ترتفع قيمة الأسهم مستقبلاً، وهذا يجعلها استثماراً ناجحاً حيث يمكن استرداد رأسمال مع زيادة إضافة إليه وكذلك الأرباح المجتمعة.
ويجب أن يدرك كل من يريد الدخول في أسهم أرامكو أن الطلب على النفط سيظل عالياً لعقدين على الأقل، وهذه فترة كافية لتحقيق عوائد مجزية من وراء الدخول في الاستثمار.
وبعيداً عن الفائدة الاستثمارية، أود العودة للحديث عن الهجمة الإعلامية الغربية على اكتتاب أرامكو، التي كان آخرها تعليق من أحد الصحافيين الغربيين أن أرامكو أشبه ما تكون بالضريبة على الأغنياء في المملكة، لأن الحكومة تريد من المؤسسات والعوائل الغنية الدخول في الاكتتاب.

هذا التصريح للأسف يدل على عداء غير مبرر للاكتتاب، إذ لا توجد ضرائب تدفع أرباحاً سنوية ويمكن استردادها. إن أسهم أرامكو أصول يمكن تسييلها في أي لحظة من قبل حامليها، ووصفها بالضريبة مبالغة غير منطقية. ومن ناحية ثانية، فإن المستثمرين في المملكة لديهم وضع استثنائي؛ فهم يعملون في نظام لا يفرض ضريبة دخل، واستفادوا لسنوات طويلة من الدعم الحكومي، ولا تزال الدولة تدعم كثيراً من الخدمات حتى إن تراجع هذا الدعم وتقلص، ولهذا دعوتهم للدخول في الاكتتاب ليس بالأمر السيئ لإعادة استثمار تلك الأموال التي جنوها في نظام داعم لهم.
ولعل أسوأ ما يمكن وصف الاكتتاب به هو الفشل، وذلك نظراً لأن الاكتتاب محلي وتم صرف النظر عن الجانب الدولي. في الحقيقة مسألة طرح أسهم أرامكو السعودية في سوق دولية أمر غير مناسب حالياً نظراً لعدم وجود سوق مستقرة، وكلنا يرى ما يحدث في هونغ كونغ من مظاهرات، والوضع غير مستقر فيما يتعلق بـ«بريكست» في بريطانيا، والحملة العدائية في الكونغرس ومجلس الشيوخ تجاه منتجي النفط ومحاولات فرض قانون «نوبيك»... ومن حق السعودية في ظروف كهذه أن تتريث حتى تكون الظروف مواتية للطرح في سوق خارجية، وهذا ليس فشلاً، بل إن الفشل هو طرحها في هذا التوقيت في الخارج.
وبالنسبة للمستثمرين الأجانب فهم لا يريدون الدخول في اكتتاب أرامكو نظراً للقيمة العالية التي تبحث عنها الدولة والبالغة 1.7 تريليون دولار وكانوا يريدون الدخول في أرامكو بقيمة أقل.
وفي الحقيقة أنا مع توجه الحكومة السعودية برفع قيمة أرامكو لأن هذه الشركة نسبة زيادة أرباحها في المستقبل أعلى من نسبة هبوطها، وارتفاع أسعار النفط احتمالية أكبر من هبوطها. ولذا من الأفضل عدم الاستجابة لهم ولرغبتهم في شراء شركة لديها امتياز إدارة وتطوير أفضل وأضخم مكامن النفط في العالم بأقل تكلفة.

ومهما سيجري على قيمة أرامكو السوقية في المدى القصير، ومهما كانت الهجمة ضدها، فأنا من المؤمنين بمستقبل هذه الشركة على المدى البعيد، لأنها تمثل وطناً وأمة... ومن ناحية أخرى فهي تخطو كل يوم خطوات جديدة لمواجهة التحديات المستقبلية.
وليست المملكة فقط التي تسعى لتنويع مصادر دخلها، بل حتى أرامكو، ولهذا زادت استثماراتها في قطاع التكرير والكيماويات داخل المملكة وخارجها وتوسعت في إنتاج الغاز الطبيعي وزادت الإنفاق على البحث والتطوير لتصبح شركة طاقة متكاملة وليست شركة نفط وغاز وحسب، مثلما هو الأمر في كل دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
ولكن للأمانة التاريخية، فإن كل ما نقوله لا يلغي حقيقة وجود مخاطر، ولكن هذه المخاطر في كل استثمار وفي كل قطاع... ولا يوجد استثمار بلا مخاطر.