&نجاة السعيد&

لاشك أن ما ميز الولايات المتحدة الأميركية عن غيرها هو حرية التعبير من خلال إعطاء الفرص للخلاف في الرأي والنقاش المنفتح خاصة على الساحة السياسية، وهذا ما جعل من أميركا أرض الأحلام للكثير. ومن أكثر المؤسسات التي تعكس هذه الحرية هي الجامعات الأميركية وخاصة بعد «حركة حرية التعبير» التي قام بها الطلبة في ستينيات القرن الماضي عندما كانوا يطالبون بالحقوق المدنية وينظمون مسيرات ضد حرب فيتنام. في تلك الأيام، كان الحديث بالسياسة محظور في الجامعات ومعظم المناسبات التي تتناول الأحداث السياسية لا توافق عليها الجامعة.

لكن بعد هذه الحركة، أصبحت الجامعات ما كان من المفترض أن تكون عليه دائمًا: أماكن يتم فيها تحدي الأفكار، ويتم اختبار العقل، والجميع يتمتع بحرية التعبير عن المعتقدات دون الخوف من العقاب. لكن بعد عقود من هذه الحركة وفي عام 2019، رجع حال الجامعات إلى نقطة الصفر وهذه المرة ليست فقط من خلال الجامعات بل بتكميم الأفواه من الطلبة أنفسهم ضد من يختلف معهم في الرأي سواء من نظرائهم الذين يحملون فكراً مختلفاً أو أساتذة جامعات. وهذا ما لمسته بنفسي أثناء زيارتي للولايات المتحدة الأميركية.
وتغلغل اليساريين والشيوعيين في الجامعات الأميركية لم يكن بشكل مباشر وسريع، بل كان تدريجياً استمر لعقود من الزمن إلى أن تم استحواذهم على الجامعات بشكل شبه كامل. فهذه الفئة، وبدعم من الحزب «الديمقراطي» الذي يشاطرهم الأفكار نفسها، تخلت بالكامل تقريبا عن مبادئ الرأسمالية والديمقراطية التي أرساها المؤسسون الأوائل. وبدلا من ذلك، بدؤوا في تبني الأفكار مثل: الاشتراكية والجماعية والحرب الطبقية وسياسات الخوف والاستياء وأن أي شخص يخالفهم الرأي يتهم بأنه white supremacists، أي «المتفوقون البيض»، وهي أكثر كلمة سمعتها من أساتذة الجامعات وطلبة الدراسات العليا في أميركا.

وحتى يوطدوا أيدلوجياتهم الفكرية، يقومون بدعم الأقليات مثل المسلمين أو بالأصح الإسلاميين، الآسيويين واللاتين وغيرهم حتى يظهروا أمام العامة أنهم داعمو الفقراء والمستضعفين، كما نجد أن المنضوين في الحركات «اليسارية» والحزب «الديمقراطي» يدعمون «الإسلاميين» ليس فقط بسبب الدعم المادي من منظمات وحكومات معينة، بل لأن توجه «الإسلاميين» يتفق مع «اليساريين» في محاربة الجهة المقابلة وهم ما يُطلق عليهم الرأسماليون أو «المتفوقون البيض» على حد تعبيرهم. فكلا الاثنين (اليساريين والإسلاميين) يلعبون ورقة الضحية المغلوبة على أمرها من هؤلاء البيض، والغرض من ذلك تمرير أجندتهم السياسية. والأدهى في الموضوع أن «الإسلاميين» عندما يتحدثون في الجامعات الأميركية يصورون أنفسهم كأنهم ممثلون لجميع المسلمين، وفي حالة قام أي شخص بالاعتراض على آرائهم يتهم بأنه عنصري أو متعصب أو بلا روح حتى لو كان مسلماً، ويزيد الهجوم لو كان المعارض لآرائهم مسلماً من دولة غنية.
فكما هو الخطر على الطلبة المعارضين لهذه الآراء «اليسارية» تصل إلى حد التهديد بسلامتهم والتعرض لهم جسدياً، كذلك الخطر يطال الأستاذ الجامعي الذي تتشوه سمعته باتهامه بالعنصرية وبكراهيته للأجانب والإسلام، وتزيد الإشاعة من خلال استخدام هؤلاء الطلبة ومن يدعمهم في الجامعات لمواقع التواصل الاجتماعي، مما يؤدي إلى احتمال فصل الأستاذ الجامعي. وما يقوي مواقفهم أن المنظمات الكبرى تقف بجانبهم، وكذلك الإعلام الأميركي المسيطر عليه من اليسار يصور مواقفهم على أنها بطولية. كل ذلك لكي لا يسمع الطلبة أي رأي مختلف، ويتم غسل أدمغتهم بمعتقد واحد لضمان أن الجيل القادم من الناخبين يحمل هذا الفكر.
ومن هنا نتساءل كيف يمكن ضمان الأمن لشبابنا في الخارج في ظل دراستهم بجامعات أحادية متعصبة التفكير؟
&