& حمد العامر&

أمن الخليج.. قضية مزمنة وهواجس وقلق وعدم ثقة عانت منها مشيخات الساحل المتصالح كما سماها الجغرافيون في دفاتر تاريخ المنطقة بعد أن وقعت بريطانيا معهم اتفاقيات صلح لإنهاء الصراع الدائر بينها ووقف عمليات القرصنة على مياه الخليج العربي التي كانت تهدد خطوط التجارة الدولية من الهند (درة التاج البريطاني) الى أوروبا، ثم أطلق عليها دول الخليج العربي بعد استقلالها في السبعينيات ودول مجلس التعاون في الثمانينيات. وعبر تاريخها الطويل وأحداثه والصراع الدائر بينها أو بين جيرانها الكبار في المنطقة -واقصد بالتحديد ايران والعراق- اللتين كانتا تشكلان حالة من التهديد والخطر الدائم، لم تتمكن منذ اللحظة التي وضعتها بريطانيا تحت الوصاية أواخر القرن الثامن عشر وحتى الآن، من تثبيت أمنها واستقرارها وترتيب علاقاتها وأوضاعها مع الدول الكبرى ودول الإقليم بناءً على المصالح المتبادلة واحترام السيادة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية سوى الولايات المتحدة التي عززت من تواجدها ونفوذها في المنطقة بعد الانسحاب البريطاني عام 1968 وظلت دول مجلس التعاون رهينة السياسة الامريكية المتقلبة رغم تأسيس مجلس التعاون في أوائل الثمانينيات وتوقيع عدد من الاتفاقيات الامنية والعسكرية فيما بين دوله. وما يؤكد هشاشة هذه الاتفاقيات، ما قامت به دولة قطر من توقيع وتفعيل اتفاقًا عسكريًا مع تركيا سمح بموجبه للقوات التركية بالتواجد في قطر وليس بعيدًا عن الحدودالشرقية للمملكة العربية السعودية.. فماذا نسمي ذلك في علم السياسة والدبلوماسية والعلاقات الأخوية؟ أهو كما جاء في كتاب «لعبة الأمم» للكاتب مايلز كوبلاند الذي وقع كالزلزال على العرب، بعد أن اتهم فيه بعض زعمائهم بالخيانة، وآخرين منهم بالعمالة، وكشف فيه عن أسرار دبلوماسية ما وراء الكواليس فى المنطقة العربية، واختراق المخابرات المركزية الأمريكية (سي. آي. إيه) لأنظمة الحكم فيها، وأظهر سلوك حكام ورجالات سياسة عرب في صور مغايرة لما كان شائعًا ومعروفًا عنهم قبل خروج كتابه للنور، وكان دوره المحوري في الأحداث أو معايشته لما يجري، هو مصدر قوة الكتاب، الذي يثير إشكاليات كثيرة في عالمنا العربي حتى يومنا هذا.&

وهو كتاب مصنف (خطير جدًا) لأنه يتضمن أسرارًا تتعلق بأزمات سياسية ظلت في طي النسيان، وزعامات زلزل الكتاب الأرض تحتها، ودفع البعض لإعادة تقييم مواقفها من الأحداث التي شهدتها فترات حكمها!!&

أو إن ما جرى ويجري الآن بين دول المجلس هو إعادة التاريخ الى الوراء الذي كان تاريخًا مليئًا بالدم والاحقاد والثأر القبلي المتوارث منذ تلك القرون الغابرة؟.&

رغم كل ذلك استبشرت المنطقة خيرًا بتأسيس مجلس التعاون، كان فكرة رائعة وجاء نتيجة حتمية لواقع الامن في الخليج العربي ونتيجة حتميه لأسباب وتهديدات ومخاطر من الجوار الاقليمي او من الداخل فيما بعد وذلك نتيجةً لثورات الربيع العربي عام 2011. الذي كشف عن خيانات وأحداث هددت كيانات دوله لأسباب داخلية منذ التأسيس وأدت الى وجود ثغرات ضعف في كيانه يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولاً: مبدأ الإجماع الذي كان حاجزًا أمام تعطيل العديد من مشاريع المواطنة الخليجية التي تدفع الى قيام الاتحاد الخليجي.&

ثانيًا: ظهور العديد من المشاكل السياسية والنزاعات الحدودية على سطح العلاقات بين دول المجلس، وتعطيل عمل هيئة فض المنازعات السياسية والحدودية، كان عاملاً مهمًا في حالة شديدة من عدم الثقة بين دوله الأعضاء.

ثالثًا: عدم إعطاء الأمانة العامة وأمينها العام أية صلاحيات تنفيذية، واعتبار الأمانة وأمينها سكرتارية للمجلس الأعلى والمجلس الوزاري، وليس كمفوضية على غرار النظام في الاتحاد الأوروبي الذي أعطى المفوضية ورئيسها تفويضًا وقرارات تنفيذية على الدول في غير القضايا ذات السيادة كالدفاع والأمن والعدل والسياسة النفطية.

لذلك سوف أركز في مقال اليوم لمفهوم الأمن الذي تناولته في المقالات السابقة من منطلق علاقته بالأمن الدولي ومدى ارتباطه بأمن الخليج الذي يسبح فوق بحيرة من النفط الذي كان سببًا وراء كل ما أصاب دول مجلس التعاون من مخاطر وتهديدات منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

يوضح هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي الأسبق بأن الأمن هو «أي تصرف يسعى المجتمع عن طريقه لتحقيق حقه في البقاء».&

ويقدم كوفي أنان الأمين السابق للأمم المتحدة تعريفًا شاملاً للأمن الإنساني فهو يعني: «أبعد من غياب العنف المسلح، فهو يشتمل على حقوق الإنسان، والحكم الرشيد، والحق في الحصول على فرص التعليم والرعاية الصحية والتأكد من أن كل فرد لديه الفرصة والقدرة لبلوغ احتياجاته الخاصة. وكل خطوة في هذا الاتجاه هي أيضًا خطوة نحو تقليل الفقر، وتحقيق النمو الاقتصادي ومنع النزاعات، فتحقيق التحرر من الخوف و حرية الأجيال القادمة في أن ترث بيئة طبيعية وصحية، هذه هي الأركان المترابطة لتحقيق الأمن الإنساني ومن ثم الأمن القومي».&

فالأمن اذًا هو «القدرة على التحرر من الخوف وتهديد القيم العليا للمجتمع او الدولة من خلال جميع الوسائل الممكنة للحفاظ على حق البقاء وغياب التهديد والخطر».&

إلا أن بعض الدراسات الأمنية ترى تجنب اعتبار الحروب النووية او القوة العسكرية الشاملة مصدرًا لتهديد الأمن العالمي، وإن تحقيق السلام يتطلب الاهتمام بتحييد القوة العسكرية المدمرة، ويرون بضرورة الاهتمام بقضايا ومصادر تهديد أمن الأفراد، ومشاكل البيئة وقضايا اللاجئين، وإن الأمن قد يتحقق من خلال تحرر الأفراد من القيود، والتي قد تكون نابعة من طبيعة وهيكل النظام السياسي، أو من النخبة السياسية، وكذلك التركيز على قضايا الركود الاقتصادي والاضطهاد السياسي وندرة الموارد والتنافس العرقي والإرهاب والأمراض وتلوث البيئة.&

من تلك المنطلقات والتعريفات للأمن، عملت دول مجلس التعاون على التوقيع على عدد من الاتفاقيات الأمنية والدفاعية فيما بينها كما عقد اتفاقيات مع عدد من الدول الكبرى صاحبة المصالح في المنطقة، إلا أن ما أراه مهمًا في هذه المرحلة الصعبة التي تمر به دول المجلس من أهمية الربط بين الأمن والتنمية وضرورة أن تكون نهجًا ثابتًا في العمل على إرساء المواطنة الخليجية الكاملة للوصول الى الوحدة الخليجية التي نص عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون من اجل إرساء دعائم المنظومة الخليجية بعد الاستفادة من تجارب السنوات الطويلة التي مرت منذ قيام المجلس في عام 1981 والازمة القطرية التي عصفت بمجلس التعاون، والتي تتطلب كذلك دعم الإصلاحات الدستورية والتشريعية والممارسة الديمقراطية الكاملة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعزيز مبادئ حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير وتعزيز دور المرأة من أجل بناء المجتمع الخليجي الملتزم بقيمه وتراثه وحضارته وانجازاته التي سوف تساعده على تحقيق أهداف مجلس التعاون داخليًا وخارجيًا في إطار مصالحة واهتماماته وتأكيد دوره وحضوره كمنظمة دولية فاعلة في عالمنا اليوم الذي يموج بالتطورات المختلفة وغير المتوقعة على مختلف الأصعدة في ضوء خطة استراتيجية خليجية واضحة وعادلة، هدفها حماية كيان المجلس ومواطنيه بالتساوي وذلك من أجل الوقوف الثابت أمام كافة التهديدات والفتن المدمرة وتخريب الاقتصاد و الصراعات الطائفية في المحيط الإقليمي القريب.&

ولعل من أهم مايعيق التوصل الى تلك الاستراتيجية الامنية - الحلم - هو الوضع الحالي السيئ في العلاقات القائمة بين دول مجلس التعاون بسبب الأزمة القطرية التي تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي معلومات - ليس معلومًا مصادرها ومدى صحتها - من أن هناك انفراجات واجتماعات عقدت لحل الأزمة، خاصة بعد موافقة الدول الثلاث المقاطعة بالمشاركة في دورة كأس الخليج العربي 24 بالدوحة، وحيث إنني لا أرى في الأفق مؤشرات واضحة نحو تحقيق حلم المصالحة بعد تغريدات رئيس وزراء قطر السابق التي تؤكد الموقف القطري الأول منذ بدء الأزمة في 5 يونيه 2017، لكن تبقى القمة القادمة في الرياض فرصة متاحة للمصالحة اذا غلبت الحكمة الأطراف نحو اتخاذ عدد من الخطوات الضرورية والحاسمة في طريق حل الأزمة التي ستكون على رأس مهام الأمين العام الكويتي الجديد التي تقود بلاده وساطة بين الدول المقاطعة وقطر.

&