&&إبراهيم النحاس

&الدرعية.. ذلك المكان التاريخي بأصالته وعراقته وسمو الأدوار التاريخية التي لعبها، ستعود من جديد لتأخذ مكانتها الطبيعية في تاريخ الدولة السعودية، وستتحدث من جديد للأجيال القادمة عن عبق التاريخ المجيد وأصالته بحقبه التاريخية العديدة وأحداثه العظيمة..

خلَّد التاريخ اسمها بأفعال وشجاعة رجالها وبوفاء وكرم أهلها وببطولات أئمتها وملوكها حتى أصبحت موطناً للفخر والشهامة ورمزاً للعزة والكرامة. رفع الله مكانتها بين الأوطان وأعلى شأنها سبحانه بين الأمم عندما رفع أئمتها وملوكها راية التوحيد وعملوا على نشر رسالتها الخالدة والدعوة إليها حتى أصبحت ظاهرة بين الأمم. مكّن ألله أئتمها الكِرام وملوكها الأبرار من جمع كلمة المسلمين وكتب لهم القبول في قلوب الناس وعقولهم، واختارهم الله جل شأنه لخدمة بيته الحرام ومسجد رسوله الأمين لعِلمهِ سبحانه وتعالى بصِدق نيتهم ونقاء سريرتهم وعدالة حكمهم. حفظها الله من كيد الظالمين ومن مؤامرات المعتدين ومن خيانة الخائنين أكانوا قريبين طامعين أو عجماً حالمين؛ وأعز الله بها الإسلام والمسلمين حتى عاد لمكانته التي كان عليها في عصر الإسلام الأول طاهراً نقياً محارباً للبدع والضلالات. إنها معلومة لمن علم التاريخ وأحداثه الجسام، ومعروفة لمن عرف سادت العرب وكِرامها، ومشهودة لمن شاهد راية التوحيد عالية عزيزة بين الأمم؛ إنها الدرعية ميدان الحكمة والشهامة وصدى العروبة والشجاعة ومنطلق دعوة التجديد للعودة لأصل الدين الإسلامي الحنيف.

الدرعية.. ليست اسماً عابراً يمكن تجاهله، ولم تكن مكاناً خالياً هيّناً يسهل العبور فوق أرضه، ولم تكن موطناً لأصحاب القلوب الضعيفة والعقول الخاوية. فمن أرضها العزيزة انطلقت دعوة التجديد للعودة للدين الإسلامي الحنيف حتى عمَّت بخيرها وصدق رسالتها أرجاء المعمورة؛ وتحت راية أئمتها الكِرام وملوكها الأبرار تأسست دولة عربية عزيزة نادت بعزة العرب وسيادتهم، ورفضت هيمنة العجم الحاقدين المعتدين حتى أصبحت رمزاً للشجاعة والإباء وموطناً للعزة والكرامة؛ وبفضل حكمة ملوكها وحسن تخطيط قادتها وبُعد نظرهم وسليم تفكيرهم تحولت أراضيها المترامية مدناً حديثة عمَّت فوق ربوعها التنمية الشاملة حتى ارتقى شأنها بين الأمم وأصبحت واحدة من أكبر اقتصاديات دول العالم العشرين.

إنها الدرعية.. ذلك المكان الذي شهد تأسيس الدولة السعودية الأولى، وتلك العاصمة العزيزة التي شهدت عودة العزة العربية والدعوة لنقاء الدعوة المحمدية تحت راية إمامها الأول محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، وإنها ذلك المكان الذي يشهد في وقتنا الحاضر على عمق تاريخ المملكة العربية السعودية وأصالة وشجاعة أئمتها وملوكها ومحبة ووفاء أهلها وشعبها؛ فمن ذلك التاريخ الأصيل إلى واقعنا الراقي العزيز استحقت الدرعية أن تكون جوهرة المملكة العربية السعودية.

الدرعية.. قد يراها البعض في وقتنا الحاضر معلماً ثقافياً وتراثياً، ويمكن القول: إنها كذلك بل إن أحد أحيائها - حي الطريف - ضمته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" لقائمة التراث العالمي العام 2010م؛ وقد ينظر إليها البعض في وقتنا الحاضر على أنها محافظة إدارية صغيرة تخدم سكانها وتعمل على توفير أسباب التنمية لهم من خلال مؤسسات الدولة الرسمية، ويمكن القول: إن ذلك صحيح من جهة أنها محافظة تتبع إدارياً إمارة منطقة الرياض العاصمة، وعلى الرغم من أن هاتين النظرتين صحيحتان، إلا أنهما لم تعبرا حقيقةً عن مكانة الدرعية الحقيقية وعن الأدوار التاريخية العظيمة التي لعبتها في الحياة السياسية والاقتصادية والدينية التي تجاوزت في تأثيرها الإيجابي والبناء الحدود العربية والإسلامية حتى وصلت العالمية. فإن كان من أدوار سياسية يمكن الإشارة لها، فيكفي أن نقول: إنها استطاعت تغيير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط وتمكنت من فرض نفسها كدولة رئيسة ومؤثرة في المنطقة، وإن كان من أدوار اقتصادية يمكن الإشارة لها، فيكفي أن نقول: إنها أصبحت دولة مؤثرة في حركة الاقتصاد العالمي، وإن كان من أدوار دينية يمكن الإشارة لها، فيكفي أن نقول: إنها نجحت باقتدار برفع راية التوحيد والدعوة لدين الله القويم ولسنة رسوله الكريم ولما جاء به السلف الصالح حتى أصبحت منارة يهتدي بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها.

الدرعية.. ذلك المكان التاريخي بأصالته وعراقته وسمو الأدوار التاريخية التي لعبها، ستعود من جديد لتأخذ مكانتها الطبيعية في تاريخ الدولة السعودية العزيزة، وستتحدث من جديد للأجيال القادمة عن عبق التاريخ المجيد وأصالته بحقبه التاريخية العديدة وأحداثه العظيمة والمتعددة، ولتصف لهم شجاعة وشهامة رجالات دولتهم، ولتعبر للقاصي والداني عن وفاء وحكمة وسداد رأي أئمتها وملوكها الكرام. هذه الأصالة العظيمة، وذلك الوفاء الذي يشهد به التاريخ، وتلك الحكمة الملكية الكريمة، تمثلت أمام الناظرين وشاهدتها بصائر المبصرين عندما شرَّف مُجدد التاريخ وقائد الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - حفل تدشين بوابة الدرعية، وتسلم بيده الكريمة "حجر التأسيس" من يد ولي العهد الأمين رئيس مجلس إدارة هيئة بوابة الدرعية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - ليكون أساساً للمستقبل - "الدرعية الجديدة"، وليكون ذلك اليوم المبارك 20 نوفمبر 2019م، يوم تدشين بوابة الدرعية شاهداً جديداً على بداية حقبة جديدة في تاريخ المملكة العزيز، عنوانها "الطموح الذي يعانق السماء"، والاستمرار في مسيرة التنمية والبناء والتطور والتحديث التي تشهدها دولة العز والفخر المملكة العربية السعودية حتى تصبح في مصاف دول العالم المتقدم في جميع المجالات وعلى كل المستويات.

وفي الختام من الأهمية القول: إن أصالة التاريخ ستكون مُنطلقاً لصناعة المستقبل المشرق، وحكمة الملوك الكرام ستعين شباب الوطن على التخطيط السليم لبناء مستقبل وطنهم بالشكل الصحيح. إنه المستقبل الواعد الذي تتطلع له القيادة الكريمة لتكون المملكة - الدولة العربية والإسلامية العزيزة والأبية - في مصاف دول العالم المتقدم. إنه النجاح الذي سيتحقق - بإذن الله - في ظل قيادة كريمة تؤمن بقدرات شعبها وتعمل بجد واجتهاد لتحقيق رؤيتها الوطنية الطموحة "رؤية 2030". إنها الهمَّة التي ستتغلب على جميع التحديات وستتجاوز كل العقبات حتى تصل بالمملكة إلى القمَّة.