&نورا المطيري

كتبتُ في مقدمة الفيلم الوثائقي «الإمارات.. 48 عاماً من التسامح»، الذي ينتجه رواق عوشة بنت حسين الثقافي، وسيبث غداً الاثنين على عدد من القنوات المحلية، أن «قصة التسامح في دولة الإمارات العربية المتحدة، ليست وليدة اللحظة، بل تمتد في تاريخ هذه الأرض الطيبة المعطاءة، منذ أن استوطنها البشر قبل الآف السنين، فكانت سمتها على الدوام، العطاء والتسامح».

وفي البحث التاريخي، وجدتُ أن الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، وحين كان في الرابعة من عمره، وتحديداً في العام 1922 حين تولّى والده الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، رحمه الله، حكم إمارة أبوظبي، تعلم في تلك المدرسة العظيمة، ورأى بعينيه وشعر بقلبه كيف استطاع والده الشيخ سلطان خلال فترة حكمه، بث التسامح والمودة وتحسين علاقاته بالجوار، فكان مواظباً على حضور مجلس والده، الذي كان يستقبل المواطنين، ويستمع إلى همومهم، ويشاركهم معاناتهم، وكان يطرح دوماً الأسئلة على أبيه؛ ليزداد بذلك وعيه وإدراكه.

في عيدها الثامن والأربعين، تميزت دولة الإمارات بكثير من السمات في كافة المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكما تميزت بقيادتها التي اختارت طريق التسامح وقبول الآخر، باعتباره من القيم الراسخة في المجتمع الإماراتي الأصيل، التي يستمدها من العادات والتقاليد العربية النبيلة، ومن حكمة وإرث زايد الخير، فبادرت القيادة الحكيمة على ترسيخ هذه القيم ووضع الأطر، التي تدعم استمراريتها إيمانا ببناء الإنسان والإنسانية، فأصبحت دولة الإمارات حاضنة لقيم التسامح والسلم والأمان وكذلك التعددية الثقافية.

بذور الخير والمحبة، التي زرعها المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، أنبتت جنائن غناء تظلل جميع بني البشر دون تفرقة ولا تمييز، حتى بات التسامح نبراس القيادة والشعب في دولة الإمارات من خلال منهج متواصل ومستمر، لترسيخ قيم الوسطية والاعتدال والسلمية واللّاعنف، فأصبحت الدولة شريكاً أساسياً في اتفاقيات ومعاهدات دولية عدة، ترتبط بنبذ العنف والتطرف والتمييز، وأصبحت عاصمة عالمية تلتقي فيها حضارات الشرق والغرب، لتعزيز السلام والتقارب بين الشعوب كافة، حيث تحتضن الإمارات كنائس ومعابد عدة، تتيح للأفراد ممارسة شعائرهم الدينية، وكذلك مبادرات محلية ودولية عدة ترسخ الأمن والسلم العالمي، وتحقق العيش الكريم للجميع.

خلال البحث العلمي، وجدت أن التسامح في دولة الإمارات قد بات تعبيراً قوياً، من القيادة والشعب، عن الحرص الكامل، على توفير الحياة الكريمة لجميع السكان، والالتزام بالقيم النبيلة، التي يشترك فيها جميع بنو الإنسان، وبتحقيق العدل، وسيادة القانون، والتعايش السلمي ونشر المحبة والسلام.

التسامح الذي تبثه دولة الإمارات حولها، جعلها في موضع سلام دائم مع الدول والشعوب الشقيقة والصديقة، فعلاقتها مع السعودية ومصر والبحرين والأردن والدول العربية جميعاً، وكذلك الدول الكبرى من أمريكا وحتى روسيا والصين، خير دليل على ذلك، وباستثناء الدول والجماعات التي تسعى للإرهاب، فإنه يمكن القول: إن الإمارات قد أسست منظومة حقيقية للتسامح والسلام العالمي، وترنو إلى تحقيقه بكل الوسائل، ففي اليمن مثلاً، استطاعت الأيادي البيضاء الإماراتية، وبدعمها المطلق لجهود مثيلتها السعودية، تحقيق التسامح والمصالحة بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تكلل مؤخراً باتفاق الرياض التاريخي.

حين تحتفل الإمارات باليوم الوطني الثامن والأربعين، تحت مظلة التسامح وروح الاتحاد المشرقة ونهج الشيخ زايد، رحمه الله، وتعكس ذلك الإرث الملهم للأجيال التواقة للسلام والتطور، ليس على المستوى المحلي فقط، إنما على المستويين الإقليمي والعالمي أيضاً، فإن هذه الروح وهذا النهج سيبقى شاهداً على مكانة دولة الإمارات الاستثنائية بصفتها رمزاً للتسامح والسلام في المنطقة والعالم.