محمد آل الشيخ

استقالة عادل عبدالمهدي رئيس الوزراء العراقي قبل أمس الجمعة، وقبلها استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري تمثل ضربتين موجعتين لدولة الولي الفقيه، وانتصارًا للشعبين العراقي واللبناني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

كان الإيرانيون حسب المعلومات المتوافرة والمتداولة يرفضون استقالة عبدالمهدي بالرغم من أنه لمح إليها قبل أيام، فقد كان قاسم سليماني العسكري الإيراني الذي يدير التعامل مع المظاهرات من غرفة عملياته في بغداد يعد أن استقالته تمثل انتصار الثوار العراقيين، لا سيما أن الثوار جعلوا على رأس أولوياتهم خروج الإيرانيين من العراق، وإنهاء الهيمنة الإيرانية عليها، الأمر الذي يعني (هزيمة) منكرة له أولاً ولإيران ثانيًا على اعتبار أنه منذ 2003 هو الذي يحكم من وراء الستار في العراق. غير أن اصطفاف المرجع الأعلى للشيعة في العراق مع المتظاهرين دفع عبدالمهدي إلى الامتثال لرغبة المرجع لا سيما بعد المجزرة المرعبة التي ارتكبها الجيش العراقي في العراق وبالذات في مدينة الناصرية. وباستقالة عبدالمهدي وقبله الحريري فإن النفوذ الإيراني في الدولتين يتهاوى فعلا، لتصبح كل الاستثمارات التوسعية التي قد تصل إلى المليارات التي صرفها نظام الولي الفقيه تكاد أن تذروها الرياح؛ وتعود فائدتها في المحصلة الأخيرة تلامس الصفر، أي أنهم بلغة أخرى عادوا إلى المربع الأول.

الوضع السياسي في العراق هو الآن في غاية التعقيد، ومن الصعوبة بمكان أن تعود مكانة إيران إلى ما كانت عليه، أضف إلى ذلك أن ظروفها الاقتصادية في منتهى التردي في الداخل، وتقول بعض الأنباء الواردة من طهران أن هناك أصواتًا بدأت ترتفع في الأفق الإيراني مطالبة بإعادة النظر في عملية تصدير الثورة، التي جعلت إيران تصل إلى هذا المأزق، التي ثبت بالتجربة أنها فشلت فشلاً ذريعًا، وجعلت هذه الجمهورية المتأسلمة في خصام ليس مع جيرانها فحسب، وإنما مع كل العالم. وليس لدي أدنى شك أن مثل هذه الأصوات ما كانت لتعترض لولا الأحداث الأخيرة التي حصلت في إيران، وكادت تعصف بالتجربة برمتها، أضف إلى ذلك أنها فشلت فشلاً ذريعًا في العراق، وكذلك الأمر بالنسبة للبنان وفي تقديري أن العقوبات الأمريكية فيما لو استمرت ستكون آثارها وخيمة ليس على أجنحة إيران العسكرية في الخارج فحسب وإنما على الكيان الإيراني نفسه.

هزيمة مخططات إيران التوسعية، قد يستفيد منها النظام الحاكم في إيران، وبالتالي يكون بإمكانها التعايش مع العالم المعاصر وشروطه، لكن قرارًا كهذا يتطلب في الدرجة الأولى أن تتخذ قرارًا إستراتيجيًا فحواه (أن تتحول من هيجان الثورة إلى استقرار الدولة)، وليس لدي أدنى شك أن هذا الشرط بمنزلة شرط البقاء لجمهورية الملالي، أو هو الخيار الذي لا خيار غيره.

قرار كهذا يعني حل الحرس الثوري وإلحاقه بالجيش الإيراني التابع لوزير الدفاع؛ ولكن هل يستطيع الولي الفقيه اتخاذ قرار جذري كهذا؟

كثير من المحللين يشكون في ذلك، فالحرس الثوري تضخم وتشعب واستقل وتغول حتى أصبح القضاء عليه ضربًا من ضروب المستحيل.