&حلمي النمنم

& في أوائل عام 1993 انتهيت من كتابي الأول «جذور الإرهاب.. أيام سليم الأول في مصر»، وصدر مع نهاية 1994؛ وهو عبارة عن رصد لقصة غزو سليم الأول لمصر واحتلالها؛ والجرائم التي ارتكبها خلال 83 يوماً قضاها في القاهرة؛ وقد تعرضت فيما بعد، سنة 1798، للاحتلال الفرنسي بقيادة نابليون؛ ثم الاحتلال الإنجليزي سنة 1882؛ ولكن يبقى الاحتلال العثماني هو الأبشع بكل المقاييس.. ذلك أن نابليون حين غزا مصر زعم في بيان وجهه إلى المصريين أنه جاء لينقذهم من ظلم المماليك واستبدادهم؛ وكان لا بد أن يقدم بعض الامتيازات تثبت أنه ما جاء للنهب والغزو؛ وهكذا وجدناه يؤسس «الديوان»؛ ليشرك الأعيان والعلماء في الحكم والإدارة؛ ويدخل المطبعة، ويؤسس المجمع العلمي المصري الذي لا يزال قائماً إلى اليوم.


الاحتلال البريطاني قدم نفسه للمصريين وللعالم سنة 1882 باعتباره جاء لينقذ مصر من الفوضى والانهيار الاقتصادي، لذا اتخذ الإنجليز بعض الإجراءات الإدارية والإصلاحية.

أما سليم الأول؛ فقد كان همجياًّ بكل المقاييس؛ إذْ زعم أنه جاء إلى مصر والشام؛ لأن أهلها خرجوا عن الإسلام وكفروا بالدين؛ وكان سليم حين قرر غزو مصر، طلب من «مفتي الأنام» في إسطنبول (كما هي بالتركية الحديثة) أو استانبول (كما هي بالتركية العثمانية) أن يصدر له فتوى تبرر له الغزو؛ فلم يكن هناك مبرر للغزو، ذلك أن دولة المماليك دولة إسلامية وسلطان المماليك كان من ضمن واجباته رعاية الحرمين الشريفين وموسم الحج؛ وقد وجد مفتي الأنام أنه في أحد مواسم الحج اعتدى بعض العربان في سيناء على قافلة للحجاج الأتراك؛ وبناء عليه صدرت الفتوى باعتبار مصر والمصريين «كفاراً».

&ولأنه جاء بهذا المعنى فقد استباح كل شيء: الأرواح والبشر والحجر يوم أن دخل جنوده القاهرة، حتّى أنهم قتلوا أكثر من 25 ألف مواطن في الشوارع؛ وسرقوا كل شيء، حتى البشر؛ فقد جمع سليم كل الفنيين والصناع المصريين المهرة ونقلهم إلى استانبول ليقوموا ببنائها لتصبح مثل القاهرة؛ وهكذا سرق كل العقول والمهارات الفنية.

حين وضعت هذا الكتاب كانت بوادر «العثمانية الجديدة» بدأت تلوح في الأفق، وأخذ بعض المتأسلمين يحاولون تبييض وجه الدولة العثمانية القبيح؛ وقتها - مطلع التسعينات - تصور البعض أنني أبالغ وأتخيل أشياء ومخاوف لا وجود لها؛ ولكن ها نحن اليوم؛ نرى العثمانية الجديدة تطل علينا بغلظة وتحاول أن تغزونا بوقاحة.. لذا لا بد من تحية خاصة لمسلس