&مأمون فندي

&

يعدُّ اتحاد الإمارات العربية نموذجاً فريداً في التجارب العربية الوحدوية، حيث نجح بامتياز بينما فشلت فكرة الوحدة بين تجمعات عربية كثيرة كانت تحركها رغبة جامحة للاتحاد.. فلماذا نجحت فكرة الاتحاد في الإمارات وفشلت في غيرها؟

هناك عوامل كثيرة أدت إلى نجاح الاتحاد الإماراتي الذي قام عام 1971، لكن ما أركز عليه هنا هو دور الشخصية الكاريزمية للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في بناء الدولة والحفاظ على تماسك الاتحاد.

الكاريزما هي واحدة من تقسيمات السلطة، وشرعيتها في المجتمعات، وهي: ثلاث، الأولى: شرعية تقليدية، والثانية: شرعية قانونية أو شرعية المؤسسات في المجتمعات وقبولها، والثالثة: شرعية الكاريزما الشخصية للقائد.

&والكاريزما كما عرّفها مؤسس علم الاجتماع الحديث الألماني ماكس فيبر هي: في الغالب هبة من الله تمنح لشخص ما تجعل الناس يتبعونه، وقسم الكاريزما إلى أنواع مختلفة، ليس هذا مجال تفصيلها، ولكن في حالة الشيخ زايد نرى أن الكاريزما هبة من الله أساسها البساطة والتصالح مع النفس، مما جعل قادة بقية الإمارات المكونة للاتحاد يتبعون ذلك الرجل دونما تردد في مشروعه الوحدوي.

الشيخ زايد لم يترك مجالاً للشك بأنه رجل دولة ذو حنكة سياسية أساسها الفطرة السليمة ورؤية فارس من الصحراء لديه القدرة على التمييز بين السراب والماء.. رجل لم يكن متصالحاً مع نفسه فقط، بل تمثلت فيه خصال الكرم وشيمة الترفع عن الصغائر.. وهناك رواية متداولة عن علاقة دبي بأبوظبي أثناء تكوين هذا الاتحاد، أساسها أن الشيخ زايد استورد من الإنجليز أسلحة، ولم يشأ الإنجليز إلا أن يخبروا الشيخ راشد بن مكتوم آل مكتوم بأن الشيخ زايد اشترى أسلحة قادمة في سفن في عرض البحر، وربما اشتراها لإجبار دبي على قبول فكرة الاتحاد بالقوة، وقلق الشيخ راشد من هذا العمل، ولما علم الشيخ زايد بذلك أصدر أمره بتغيير مسار السفن وبدلاً من أن تفرغ شحنتها في أبوظبي، أمرها أن تفرغها في ميناء دبي، وبعدها أخبر الشيخ راشد أن تلك الأسلحة هدية من الشيخ زايد لإمارة دبي.

من هنا انتهى تخوف الشيخ راشد من أي عدوان كان يظنه، وبعدها قبل فكرة الاتحاد، وذلك لأن ما فعله الشيخ زايد في قصة الأسلحة كان مصدر طمأنينة كبيراً بالنسبة له.

رسالة الطمأنينة هذه لم تصل إلى الشيخ راشد وحده بل كانت رسالة لكل قادة الإمارات الأخرى، لذا اجتمعوا على قلب رجل واحد، وبقي الشيخ زايد رمزاً للتسامح والترفع والإيثار الذي بث السكينة في قلوب الجميع.

لا يلتفت كثير من العرب إلى المادة الأولى من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، فلو قرؤوها بتمعن لأدركوا أن مشروع اتحاد الإمارات لا يزال مشرعاً بوابته مفتوحة للجميع، وليس مغلقاً على الإمارات السبع، حيث تنص مادته الأولى: على أن «الإمارات العربية المتحدة دولة اتحادية مستقلة ذات سيادة، ويشار إليها فيما بعد في هذا الدستور بالاتحاد، ويتألف الاتحاد من الإمارات التالية: أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة، رأس الخيمة.

ويجوز لأي قطر عربي مستقل أن ينضم إلى الاتحاد، متى وافق المجلس الأعلى للاتحاد على ذلك بإجماع الآراء، وعند قبول انضمام عضو جديد إلى الاتحاد، يحدد المجلس الأعلى للاتحاد عدد المقاعد التي تخصص لهذا العضو في المجلس الوطني الاتحادي، زيادة على العدد المنصوص عليه في المادة 68 من هذا الدستور».

أي أن أي دولة عربية تستطيع أن تصبح جزءاً من هذا الاتحاد، وهذه هي الثقة الحضارية التي كان يمتلكها الشيخ زايد، لا يخشى أن تدخل في الاتحاد دولة كبرى أو صغرى، لا يهاب شيئاً لأنه كان يسعى للصالح العام للأمة العربية.

كاريزما الشيخ زايد أيضاً تمثلت في زهده في السلطة، ومن يتأمل أيضاً الدستور الإماراتي يرى أن صلاحيات رئيس الدولة هي أقرب إلى صلاحيات رئيس ألمانيا، صلاحيات محدودة، ومع ذلك كان قادة الإمارات يرجعون إليه في كل شيء ليس لأنه متحكم في كل شيء، وليس لأن الدستور يخوله سلطات، ولكن الرجل أصبح بحكمته وترفعه أباً لكل أهل الإمارات.

كاريزما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان التي هي في المقام الأول هبة من الله، كانت المادة اللاصقة التي جعلت تماسك الاتحاد الإماراتي يدوم، واستمرار قادة الإمارات وأبناء زايد في التمسك بنهج الشيخ زايد هو الذي مكنهم في هذه الاستمرارية الفريدة في أجواء إقليمية ودولية مضطربة.

سر نجاح اتحاد الإمارات يبقى دوماً في التمسك ببصيرة زايد، التي استطاعت في قيظ الصحراء أن تفرق بين السراب والماء، وسر نجاحها أيضاً تواضع زايد وتصالحه مع نفسه، وسرها أيضاً التسامح الذي هو أهم سمات شخصيته، وفي استمرار نهج التسامح والتصالح مع النفس يمكن نجاح تجربة الإمارات.

إنه في الوقت الذي لا يملك مَن عمره 48 عاماً شقة سكنية، بنى الإماراتيون دولة من أنجح دول الشرق الأوسط.. فتحية لهم في عيدهم ومزيد من التقدم والرقي لبلد جدير بهما.

رحم الله الشيخ زايد، وأدام الله عز دولة الإمارات في ظل قيادة أبنائه، وأنا هنا لا أقصد المعنى البيولوجي فقط، ولكنني أعني أن كل الإماراتيين قادة وشعباً يتفاخرون بأنهم جميعاً «عيال زايد».. كل عام وشعب الإمارات بألف خير بمناسبة العيد الوطني الـ48.