&عبدالجليل معالي

&الإعلان عن توقيع الحكومة التركية مع رئيس مجلس الوزراء الليبي فايز السراج على مذكرتَي تفاهم في مجال التعاون الأمني وفي مجال المناطق البحرية، أثار مجموعة كبيرة من المواقف وردود الأفعال، ورفع من احتمالات التوتر في بلد يعيش أزمة متداخلة منذ عام 2011.


تعاملت كل الأطراف ذات الصلة مع ليبيا بتوجس كبير مع الاتفاق التركي الليبي.. توجس يمكن تلمّس مظاهره في المواقف الليبية والمصرية واليونانية والقبرصية الرومية، كما في المواقف الأوروبية والدولية.

وهو تحفّظ يمكن التقاط دواعيه من سجل العلاقات التركية السابقة مع الميليشيات الليبية المتطرفة، كما مع غيرها من التيارات الإسلامية في أكثر من جغرافيا ملتهبة.


تركيا بتوقيعها الاتفاق مع حكومة الوفاق الليبية، في 27 نوفمبر الماضي، تتطاول على التاريخ وتعبث بالخرائط، حيث إنها أبرمته بعقل سياسي، عقل إمبراطوري يرنو إلى استعادة «مجد عثماني» آفل، وكان الطموح التركي مستعداً للدوس على أحكام الجغرافيا، وإلغاء وجود دول قائمة ومواثيق دولية راسخة.

الاتفاق التركي الليبي الجديد، يمثل الشجرة «الدبلوماسية» التي تخفي غابة المطامع التركية في ليبيا وفي المنطقة، حيث تسعى أنقرة، من خلال الاتفاق الجديد، إلى إحياء مناطق نفوذ قديمة للعثمانيين دون سند قانوني ودبلوماسي، والأمر ليس مقتصراً على ليبيا، بل طال السودان والصومال وغيرهما.

لقد تركت هذه الخطوات التركية متعددة الوجهات، أثراً اقتفاه المعترضون والمتضررون من السياسة التركية، وأتاح لهم وجاهة التعبير عن تخوفات مشروعة.

اعترضت اليونان على الاتفاق، واعتبرت أنه غير منطقي من الناحية الجغرافية لأنه يتجاهل وجود جزيرة كريت بين الساحلين الليبي والتركي.. واعتبرت مصر أن الاتفاق من شأنه تعميق الخلاف بين الليبيين وتعطيل العملية السياسية، وشدد الاتحاد الأوروبي على ضرورة احترام القانون الدولي البحري، مجدداً تضامنه مع اليونان وإدارة قبرص الرومية.

وكانت الاعتراضات الليبية الداخلية أشد وأقوى، حيث أعلن أحمد المسماري الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، «تصميم الجيش الليبي على مواجهة الاتفاق الذي عقده فايز السراج مع تركيا، والذي يهدد ثروة وسيادة ليبيا» بكل قوة.. مضيفاً: «إن المعركة أصبحت ضد الأطماع التركية في الأراضي الليبية».

باع السرّاج، الفاقد للشرعية السياسية والشعبية، سيادة بلده مقابل دعم تركي لا يقدم بالمجان، وهرولت تركيا نحو تحقيق المزيد من الحضور في ليبيا والمنطقة، من خلال الرهان على القرب الأيديولوجي الإخواني، وإدارة الظهر لثوابت الدبلوماسية وحسن الجوار ومصالح المنطقة.. فكان اتفاق من لا يملك مع من لا يستحق، تعبيراً جديداً عن تقدم الولاء العقائدي على ثوابت الأوطان.