خالد أحمد الطراح&

أكتبها بمرارة وألم شديد، اننا لسنا امام تحدٍ جديد مجهول المصدر، وانما نحن امام صناعة حديثة معروفة المصادر، بسبب فقدان الحذق السياسي والاحتراف البرلماني والتناغم في العمل، والتنسيق بين ممثلي الامة وأعضاء الحكومة ورئيسها ايضا. فقد بات واضحا ان لكل استجواب برلماني، تحرك حكومي استباقي في «تحييد» مواقف عدد كبير من النواب، وهو بالأحرى ليس «تحييدا» مشروعا، وانما استهداف لاستمالة مواقف وحشد نيابي موال للحكومة، خصوصا حين يكون هناك استجواب مستحق من اجل تفكيك قواعد نيابية داخل بيت الامة، المجلس، وفي حال استوجب الامر، فثمة ادوات وقنوات اخرى خارج قبة عبدالله السالم، تنشط للتأثير في القرار السياسي والعمل الحكومي- البرلماني ككل.

اصبحت اليوم هذه التطورات مادة اعلامية جاذبة، من خلال التركيز على عدد الاستجوابات والأسئلة البرلمانية، مقابل نجاة الحكومة من كل استجواب بغض النظر عن طبيعته، حتى تغيرت مواقف بعض الاوساط الاعلامية التي عُرفت بمواقف وطنية وتحولت الى تبني مواقف مختلفة تماما عن تاريخها! لعبة المصالح موجودة اساسا في الحلبة السياسية، ولكن الفرق بين حلبة وأخرى، اللاعبون وقواعد اللعبة، ففي الدول ذات الانظمة الحزبية التي تنظمها قيم وأعراف ونظم ديموقراطية عريقة، تبرز قوة المصلحة الوطنية، وكذلك قوة مواجهة الحقيقة والواقع، حتى لو ادى الوضع الى الاستقالة، كما حصل اخيرا في بريطانيا في تاريخ حزب المحافظين نتيجة خلاف عميق بشأن الخروج من الاتحاد الاوروبي. استقال رئيس الحكومة الاسبق ديفيد كامرون في 2016، بعد الاستفتاء الشعبي المؤيد للخروج من الاتحاد الاوروبي، لتحل محله رئيسة الحكومة تريزا ماي، التي استقالت ايضا من رئاسة الحكومة في يونيو 2019، نتيجة تحمل مسؤولية ما آلت اليه الظروف التي يراها البعض اخفاقا، بينما يراها اخرون انسجاما مع واقع سياسي حزبي.

اعود، باختصار، الى الوضع الكويتي، بإعادة ما نشرت سابقا وغيري ايضا، لعل في الاعادة افادة، ان ثمة سباقا نحو الاستجوابات حتى بات المستحق منها لا يحصد تأييدا كافيا لطرح الثقة، والأسباب لا تحتاج لتحليل سوى ان قواعد العمل السياسي لم تعد كما كانت سابقا! حين يكون الوضع المهيمن بهذا الشكل، فلا بد ان يكون هناك المستفيد من الموالين للحكومة، كلما زاد عدد الاستجوابات، مقابل خسارة اكبر للفريق المستجوب بصرف النظر عن الموقف الحقيقي للمستجوبين، فهناك من يجيد الاعداد المسبق لتسجيل موقف رقابي مستحق، وهناك من يندفع بالاستجواب دون ان يكون للحذق السياسي اساس بالمعادلة، والامر نفسه ينطبق على الحكومة السابقة!

هذه السطور تلخص الوضع قبل استقالة رئيس الحكومة الشيخ جابر المبارك، وتكليف الرئيس الجديد الشيخ صباح الخالد، الذي سيواجه تحديا كبيرا للغاية، فإما الاستفادة من دروس الماضي القريب وإما الدخول في النفق المظلم نفسه، حتى ينطق الشعب بصراحة «لا طبنا ولا غدا الشر»! .

&