&محمد الوعيل

&قيمة المنتدى أنه تجاوز المحلية نحو العالمية بما تعنيه من حرص على بناء شراكات فكرية وعقلية، وإقرار صيغة تعايشية مشتركة عبر محور مهم من محاور التخاطب مع الآخر ومحاورته بحثاً عن قالب جديد ومختلف تماماً من قوالب الحوار التي سادت طويلاً..

أعتقد أن ما أثاره منتدى الإعلام السعودي - في نسخته الأولى - من حراك في بحيرتنا الإعلامية، يستحق الوقوف عنده طويلاً وتأمل مساراته، بدءاً من الشكل الحضاري المبهر الذي احتضنته العاصمة الرياض، وانتهاء بما قدمه من صورة طموحة جداً لـ»السعودية الجديدة» فكراً وشفافية وإصلاحاً ورغبة جادة في اللحاق بركب الإعلام المتحضر.. ومروراً كذلك بكل فعالياته وورش عمله التي استمرت يومين بمشاركة نخبة من أبرز المسؤولين وصناع القرار والرواد في صناعة الإعلام بالمملكة والعالم.. ويصعب حصرها في مجرد مقال.

قيمة المنتدى، وعبر هذا الحضور اللافت محلياً وخليجياً وعربياً وعالمياً، أنه وضع إعلامنا السعودي أمام تحديات جادة ومسؤوليات جديدة، تجعل من اللائق بمملكتنا الجديدة أن يكون لها صوت «ناعم» وقوي وموضوعي يجيد استخدام مفردات رؤية 2030 الاستراتيجية لصياغة مستقبل معبّر ووضع لبنات جديدة تواكب حركة الإصلاح والتجديد التي تشمل كافة المحاور داخلياً لتنطلق للخارج بصورة أدق، وبشكل مهني، ربما يكون معالي وزير الإعلام الأستاذ تركي الشبانة عبر عنها بوضوح في لقائه الرائع في إحدى جلسات المنتدى، حينما طرح عددًا من الرؤى والطموحات التي نتمنى أن تؤتي ثمارها قريباً.. حيث شدد على الحاجة إلى «فكر، تأهيل، مواكبة» لصناعة إعلام مؤثر يستطيع الوقوف على قدميه.. من خلال توفير بيئة جاذبة ومحفزة، ودعم الكوادر الشابة وأصحاب الخبرة لتحقيق هذه الطموحات.

قيمة المنتدى أيضاً، أنه جسد بهذا الزخم الفاعل والمسؤول، كيف أنه بمثل ما أن للمملكة رمزيتها الروحية لقرابة ملياري مسلم حول العالم، فإن الرياض هي عاصمة القرار العربي المعتدل سياسياً وإصلاحياً بمثل ما هي عاصمة استراتيجية من ركائز العالم الاقتصادي، كما أنها أيضاً عاصمة الإعلام المقبلة في المنطقة بكل شجاعة ودون تردد، عبر الكثير من الرؤى الحية التي تعكس منهج هذا البلد المتطور والمتجدد يوماً بعد الآخر بأفكار أبنائه وسواعد مواطنيه، مقدماً النموذج الأبرز على أن حامل مشعل التنوير هنا يدرك بعيون الرؤية الاستراتيجية طويلة المدى وعقل «المصلح» الاجتماعي الواعي لتطلعات شعبه، أن أفضل طريق للعبور إلى المستقبل هو أن نكتشفه بعقولنا ونصنعه بأيدينا، بكل معاني الإيجابية والشراكة، دون شعارات طنانة أو أوهام رنانة.

قيمة المنتدى كذلك، أنه بهذه المساحة النقاشية والحوارية، تجاوز المحلية نحو العالمية بما تعنيه من حرص على بناء شراكات فكرية وعقلية، وإقرار صيغة تعايشية مشتركة عبر محور مهم من محاور التخاطب مع الآخر ومحاورته بحثاً عن قالب جديد ومختلف تماماً من قوالب الحوار التي سادت طويلاً.. قالب يبدع في شراكته العصرية، ويرصد مساحات الانسجام الراقي والحرفي.

إننا - وعبر يومين من النقاشات مختلفة الاتجاهات - كنا أمام صورة ناصعة البياض تحلم بقيادة إعلام نوعي يبحث عن الحقيقة الموضوعية، ويحاول ترسيخ خطاب بعيد تماماً عن إعلام الزيف والتضليل والمكائد السياسية المعروفة حالياً.. إعلام يحاول نسج خيوط سلام لا أبواق كراهية وخصام، بالتوازي مع تجذير لأصول الأخلاقيات الإعلامية المعروفة دولياً. وفي نفس الوقت التعامل مع تحديات الإعلام الجديد بكافة وسائله الرقمية والتفاعلية، واستثمارها في تنمية البيئة الإعلامية والتغلب على عجز الوسائل التقليدية أو القديمة.

من المهم في النهاية، الإشادة بخطوة المنتدى بتكريم الفائزين بجائزة الإعلام السعودي في فئاتها الست. وكونها بمثابة لفتة تشجيعية نحتاجها بشدة، لتكون دفقة دافعة لكل منتسبي الوسط الإعلامي لتقديم المزيد من الجهد والإبداع.. كما أن منح وزير الإعلام الأسبق معالي الأستاذ جميل الحجيلان، لقب شخصية العام الإعلامية، شهادة اعتراف بما قدمه معاليه من جهود مميزة ستظل خالدة، وأيضاً كان تسليم معالي وزير الإعلام، تركي الشبانة، الجائزة التقديرية لعدد من الأسماء الإعلامية من رواد المهنة الذين رحلوا عن عالمنا تثميناً رائعاً لرحلة العطاء لعدد من الإعلاميين الراحلين، التي جسدوها في النسيج الثقافي الاجتماعي السعودي، وتأكيداً على أنهم باقون في الذاكرة.

الشكر كل الشكر لكل القائمين على انطلاقة طائر الفينيق السعودي - بتعبير أحد الكتاب - والتقدير والامتنان لكل الرموز المسؤولة التي حاضرت أو حضرت، ويتقدمهم معالي وزير الإعلام تركي الشبانة برؤيته التقدمية جداً، والامتنان لعميد الصحافيين السعوديين الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير الزميلة «الجزيرة»، ورئيس هيئة الصحفيين السعوديين، ورئيس اتحاد الصحافة الخليجية الذي أثرى المنتدى، وأكرر شكري أيضاً للزميل العزيز محمد بن فهد الحارثي وخلية النحل الإعلامية من الشباب والشابات السعوديات الذين كانوا نعم الواجهة المشرفة لوطن مشرق ومتألق.. بكل قوة نحو ريادة أكثر من مستحقة.