& خليل حسين&&

عندما أطلقت الإمارات العربية المتحدة فكرة وزارة السعادة ونفذتها بوزارة في حكومتها مؤخراً، اعتقدنا أنها ضرب من ضروب جمهورية أفلاطون، لكن التدقيق في الأمر يؤكد الحاجة في معظم بل في جميع دولنا إلى وزارة للسعادة؛ لما لها من أثر اجتماعي سلوكي في حياة المجتمعات والنظم السياسية.
الظاهرة الأغرب ما يجري في لبنان من حالات انتحار متعددة ومتلاحقة وصلت في يوم واحد مثلاً إلى أربع حالات منفذة وفشل عدة أخرى أيضاً، ما يشير إلى أن ظاهرة الانتحار باتت امراً شائعاً في مجتمع له خصوصياته الثقافية والدينية ومظاهر انفتاحه، وهو أمر ينبغي الإضاءة عليه وتحديد خلفياته وتداعياته وآثاره، وبالتالي محاولة إيجاد الحلول الملائمة قبل أن يصبح الأمر ظاهرة يصعب السيطرة عليها.
في المبدأ، إن التدقيق في الأسباب المباشرة والظاهرة لحالات الانتحار يظهر حالات الفقر المدقع في أغلبيتها، والعوز والتهميش الاجتماعي والبطالة، إلى ما هنالك من أسباب تبدأ بما آلت إليه أوضاع النظام السياسي ولا تنتهي بالضرورة من انعكاساته على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.

فلبنان وبحسب الإحصاءات الرسمية قبيل انطلاق الحراك، تخطت نسبة البطالة فيه الأربعين في المئة، وهو رقم تخطته تداعيات الحراك؛ حيث أغلقت المئات من المؤسسات والشركات مع صرف عمالها، علاوة على رفع ساعات العمل وتخفيض الرواتب للموظفين إلى النصف في بعض القطاعات، مما أوجد ضغوطاً اجتماعية نفسية هائلة على شرائح اجتماعية واسعة من الشعب اللبناني، وهذا ما ترجمته الوقائع اليومية من حالات انتحار، إلا أن الأغرب من ذلك وجود حالات وقعت تحت ضائقة مادية لكن ليست مستعصية أو غير قابلة للحل، وهي بطبيعة الأمر ظاهرة تمر بها أسر كثيرة في العديد من النظم السياسية والاجتماعية، لكنها لا ينبغي أن تشكل حالات شائعة ومتكررة، إلا إذا ربطت بجوانب أخرى كاليأس والاكتئاب وإغلاق سبل الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية في النظام السياسي، وهذا ما يبدو جلياً في رؤية أغلبية اللبنانيين، وعليه تصبح الظاهرة أشد خطراً في حال انسيابها وشيوعها في وضع يتجه إلى أماكن ومواضع أشد سوءاً.
وفي هذا الإطار يبدو أن السلوك النفسي المجتمعي في لبنان اتخذ إطاراً واتجاهاً عنفيّاً، وتمثل بأشكال أكثر حدة، مرتبطاً أولاً وأخيراً باليأس من تغيير الواقع السياسي الذي يتخبط به لبنان، وهو بطبيعة الأمر من بين أكثر الأسباب تعقيداً إذا تم ربطها بقضايا اجتماعية لها علاقة بسلوك ما كالانتحار مثلاً.

وبذلك يبدو الأمر مرتبطاً أيضاً ليس بإصلاح نظام سياسي اقتصادي واجتماعي، بل يمتد إلى منظومة اجتماعية متكاملة من سلوكيات تحتاج إلى رعاية واهتمام واسعين؛ بهدف استيعاب هذه الحالة الاجتماعية القاتلة.
في هذه الحالة تبدو فكرة اللجوء إلى مرافق ومؤسسات كالوزارة مثلاً، مختصة بإشاعة السعادة الاجتماعية أمراً ضرورياً، ولا تعتبر بالضرورة ضرباً من ضروب الإفراط في الرفاهية، بل هي حاجة ملحة لاستمرار مجتمع سويّ قادر على مواجهة المصاعب والتحديات التي تبدو كبيرة جداً في الحالة اللبنانية.
إن مواجهة تلك الحالات التي باتت شائعة، تبدأ بفكرة التضامن، والتكافل الاجتماعي الذي ينبغي أن تعززه سلطة ما، وعبرها يمكن أن تعالج وتزيل حالات اليأس السياسي والاجتماعي وإعادة بلورة رؤى جديدة للتغيير نحو صور يجمع عليها المجتمع اللبناني بمختلف أطيافه ومشاربه السياسية وغير السياسية.

ربما يحتاج لبنان اليوم لوزارة سعادة تشيع له الأمل بغد أفضل، وهي مجال الاستثمار في الإنسان في سبيل تعظيم قدرات الفرد ومراكمة معارفه وسلوكياته، وهنا نستحضر التجربة الإماراتية في هذا المجال، والتي اعتبرت سابقة في الدول العربية ومجتمعاتها والتي برزت نتائجها اللامعة بشكل واضح، علَّ وعسى أن تعمم هذه التجربة وما أنتجت رغم الفروق الاقتصادية.

&