& رامي الخليفة العلي

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في لقاء تلفزيوني أن بلاده مستعدة لإرسال قوات إلى ليبيا إذا ما طلبت حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السراج ذلك، وهذا التصعيد من قبل الجانب التركي يأتي بعيد توقيع مذكرة التفاهم التي تحدد الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة، والتي تحدد آليات للتعاون الأمني والعسكري بين الطرفين، ويبدو أن تصريح الرئيس التركي هو من البنود السرية في الاتفاق الموقع بين الطرفين. الرئيس التركي يدخل في مواجهة مع كافة الأطراف الدولية التي يمسها الاتفاق كاليونان وقبرص ومصر ولبنان والكيان الصهيوني، وخلف هؤلاء يمكننا الحديث عن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقبل هؤلاء جميعا فإن تركيا أردوغان تدخل رسميا كطرف في الصراع الموجود في ليبيا، وتأخذ جانبا على حساب جانب آخر وتتدخل بشكل صارخ في الحرب الأهلية الجارية هناك، لكي يمول ويسلح الرئيس التركي تلك الميليشيات المتطرفة التي ساهمت بشكل كبير في إدخال البلاد في حالة الفوضى وعدم الاستقرار. ولعل السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو لماذا تدخل تركيا نفسها في أتون صراع معقد وسوف تكون له تكلفته الباهظة إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة في هذا البلد المهم من الناحية الاستراتيجية لأطراف كثيرة إقليمية ودولية؟ الإجابة عن هذا السؤال ترتبط مباشرة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من خلال شقين، الأول أن الرئيس التركي لديه أحلامه الإمبراطورية فهو يريد استعادة مجد تليد، وكأن المسألة تشبه قيادة بلدية إسطنبول أو حتى وضع نهج اقتصادي لتركيا، ولكن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، صحيح أن تركيا استطاعت التغلغل في القارة الإفريقية عبر علاقات اقتصادية والعمل من خلال المجتمع المدني، ولكن تحول ذلك إلى محاولة الهيمنة العسكرية والأمنية كما حدث ويحدث في الصومال والسودان فإن العبء سوف يكون كبيرا جدا وأكثر من قدرة تركيا على تحمله. أما السبب الثاني فهو مرض الزعامة، وهذا مرض يصيب من يتجاوز دوره كقائد إلى محاولة بناء زعامة تستجيب لنرجسية الرئيس أو القائد. هذا ما حدث سابقا مع العقيد معمر القذافي الذي أدخل ليبيا في مغامرات لم تنته إلى مع قصة مقتله المأساوية، وكذلك مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي أدخل بلاده بحروب لا طاقة لها بها. وفي كل مرة كان القائد يجد من المبررات الذي تزين له سوء عمله. مع شخصية الرئيس التركي بدا أن الأمر يتكرر فتضخمت الذات لدى السيد أردوغان إلى درجة انقلب فيها على النظام الذي كان يباهي به وانقلب على سياسات لطالما عمل شركاؤه في حزب العدالة والتنمية على صياغتها بما يتناسب مع المصالح التركية، كما انقلب على رفاق الدرب. نجح أردوغان خلال عدة سنوات ببناء حزب الرجل الواحد ونظام الحزب الواحد وأطاح بكل من حاول منافسته وعامل بمنتهى القسوة كل من عارضه، وبنى نظاما أمنيا تقلص فيه هامش الحرية والديمقراطية التي كان يتغنى بها أردوغان نفسه.

اتفاقية ميونيخ التي سمحت للزعيم النازي أدولف هتلر بالتوسع في مناطق كان يطالب بها في القارة الأوروبية والتي كان يعتقد من وقع عليها أنها سوف تجلب السلام إلى القارة العجوز ولكنها كانت وبالا على القارة لأنها أعطت هتلر مبررا للذهاب بعيدا في اجتياح دول القارة فكان اجتياح بولندا مما أدى إلى الحرب العالمية الثانية، في تركيا سكت العالم وخصوصا الولايات المتحدة وروسيا على الاجتياح التركي لشمال شرق سوريا، بينما الإدانة الأوروبية لم تساو الحبر الذي كتبت به. وهاهو الرئيس التركي يمضي بعيدا لمحاولة فرض الأمر الواقع في ليبيا كما فعل في سوريا. ولكن السياق مختلف تماما فتركيا لا تستطيع أن تقف بوجه العالم والتفاهم الذي حققته مع روسيا في سوريا لا يمكن أن يتكرر في ليبيا لأن روسيا في ليبيا طرف ضمن مجموعة من الأطراف وهناك أطراف سوف تجعل المقامرة بإرسال قوات إلى ليبيا وبالا على أردوغان وعلى تركيا. تركيا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى شخصية تدير سياستها الخارجية بالاعتماد على سياسة صفر مشاكل التي وضعها أحمد داود أوغلو فالأوضاع الاقتصادية سيئة وتسوء أكثر والمغامرات لن تكون بلا ثمن ولكن المشكلة أن الشعب التركي هو الذي سوف يدفع ثمن تلك المغامرات. بالنسبة إلى ليبيا إذا اعتقد أي طرف أنه يستطيع الاعتماد على الرئيس التركي فإنه لا يرى أبعد من أنفه، والدليل ما حدث للمعارضة السورية سواء المسلحة أو السياسية والتي تعيش حالة من البؤس بسبب ثقتها بالرئيس التركي، وفوق ذلك فإن التاريخ لن يرحم أولئك الذين يفرطون بأوطانهم ويجعلونها فريسة للقوى الطامعة بها وبخيراتها.

حالة التخبط والعنجهية والنرجسية التي تتبدى في السياسة التركية تجاه ملفات المنطقة برمتها لن تنتهي نهاية مختلفة عن تلك التي شهدناها مع مرضى الزعامة في كل من العراق وليبيا وغيرهما.