حمد الكعبي&

لم يكن للتطرف أن ينمو ويزداد شراسة وخطراً في المنطقة، لولا أن دولاً كفلته بالرعاية والدعم، وسوغت له خطابه وسلوكه، ومَن يتقصى حركة تيارات الإسلام السياسي، وأولها جماعة «الإخوان» في السنوات الأخيرة، يستطيع بسهولة تحديد «الدول الراعية والمانحة» في الإقليم، وتقدير حجم استثماراتها الإعلامية الضخمة، وعوائدها السياسية، من وراء ذلك كله.
هذه معضلة أساسية، يصعب إخفاؤها في النقاش حول أي تفاهم سياسي، مثلما يصعب تجاوزها في أي تسوية، فالمجتمعات العربية لن تتعافى من جراح «ربيع 2011» وما بعده، ما دامت مواجهة التطرف موضع خلاف بين الدول، وما دام هناك من يعتبر خطابات

التحريض على الكراهية والإرهاب نوعاً من أنواع «التعبير السياسي»، ويعتبر المطالبة بوقف إيواء المتطرفين المطلوبين قضائياً «تدخلاً في الشؤون الداخلية».
أيضاً، هذه قضية أساسية بالنسبة للإمارات، التي تستثمر في ثقافة التسامح والعيش المشترك والأخوة الإنسانية، وتبذل جهوداً إقليمية ودولية حثيثة، لإصلاح صورة هذه المنطقة من التشوهات التي حفرها التطرف عميقاً، وتؤسس نموذجاً لدولة تنشد السلم والتنمية والازدهار، والتطرف عدو ذلك كله، والأمثلة أكثر من أن تحصى من حولنا عن بلدان، تستنزفها الاضطرابات الاجتماعية، وأزمات الفقر والبطالة.
نحن ضد التطرف، مفهوماً ولغةً وسلوكاً. وضد كل من يتبناه نهجاً وطريقاً. نريد العافية للمنطقة التي نعيش فيها، ومصلحتنا الوطنية في خليج متوحد، لا نختلف فيه على شرور التطرف، ولا نقبل فيه تهديد أمن واستقرار أي ركن في البيت الخليجي، ومصلحتنا الإقليمية في امتداد عربي، يشكل عمقاً للشعوب، ولا يسمح بأي فراغ، ينفذ منه التشدد إلى المجتمعات، فيعطل نهضتها، ويقوض بنيانها.

هذا نهج الإمارات، وفيما كانت التسريبات الإعلامية تخلط أوراقاً عدة، وتفرز مواقف في المنطقة، وتثير مزيداً من الغموض والشكوك خلال الأيام الماضية التي سبقت وتلت القمة الخليجية، استضافت أبوظبي نحو ألف شخصية من القادة والمسؤولين الحكوميين والرموز الدينية، للتوقيع على وثيقة «حلف الفضول الجديد» الذي أطلقه «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، تحت عنوان: «دور الأديان في تعزيز التسامح.. من الإمكان إلى الإلزام».

الوثيقة تمثل موقف الإمارات، وما تؤمن به، بوضوح، وقد نصّت على «التصدي للتطرف والفكر العنيف وخطابات التحريض والكراهية، وانتهاج مقاربة تصالحية في كل دين لترسيخ التسامح بشتى أبعاده». وهي بذلك تعيد الاعتبار إلى إطار أخلاقي أقرته القبائل العربية قبل الإسلام، لنبذ التناحر والتعصب، وتضع قيمه أمام معتنقي الديانات الإبراهيمية، لرفض الزج بالأديان في حروب التطرف وأجنداته التدميرية.
نمضي في هذا الطريق، ولدينا عام مقبل مزدهر بمشروعات التنمية والنهضة، ولا نساوم على أمننا ومصلحتنا الوطنية.

&