&عماد العباد

&

كشفت دراسة مسحية قامت بها منظمة الشفافية الدولية حول الفساد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن خمسين مليون شخص اضطروا لدفع رشوة في مقابل الحصول على خدمات حكومية تعد من أبسط حقوقهم، كما يرى الغالبية العظمى منهم أن حكوماتهم لا تعمل بجدية لمكافحة الفساد.

هذا الرقم الهائل لضحايا الفساد يكشف حجم المرض الذي تفشى في منطقة الشرق الأوسط، والذي يعد أحد أهم أسباب تخلفها وتراجعها تنموياً.

مشكلة الفساد هي سرعة تفشيه، واستمراء الناس له إلى الحد الذي يتحول فيه إلى ممارسة طبيعية وغير مستنكرة. ولا يزال الكثيرون غير مدركين أن الفساد هو أخطر مرض يمكن أن يصيب بلداً ما، ولذلك تحرص الدول التي بدأت عمليات إصلاحية حقيقية على وضع الفساد في رأس قائمة المستهدفين ولا تتهاون أبداً في الحرب عليه، وهذا بالضبط ما فعلته هونغ كونغ مثلاً، حيث كان الفساد في أواخر السبعينيات متفشياً إلى درجة أن رجال الإطفاء كانوا يطلبون المال قبل أن يشرعوا في إخماد الحريق. استوعبت هونغ كونغ حجم المشكلة وبدأت عمليتها الإصلاحية بتحجيم الفساد عبر تحسين الإدارة وزيادة الأجور، وإلزام المسؤولين بالإفصاح عن ذممهم المالية.

النتائج المبهرة للدول التي حاربت الفساد وانتصرت عليه تبعث روحاً من التفاؤل والأمل لدى دول أخرى مازالت تعاني منه. وقد تصبح التجربة السعودية في الحرب على الفساد ملهمة لدول المنطقة، خصوصاً بعد الإجراءات التسعة التي سنتها المملكة الأسبوع الماضي لمنح الجهات المختصة المزيد من القوة في ملاحقة الفاسدين، وإذا كانت الحكومة قد بدأت بالفاسدين الكبار في فترة لاحقة فإنها تلتفت الآن للفاسدين الصغار الذين يشكلون تهديداً بالغ الخطورة لعملية التنمية، إذ إن الدول التي ينهشها الفساد تصبح مشلولة، فالفلبين مثلاً كانت في نهاية الستينات تتمتع بثاني أقوى اقتصاد في آسيا بعد اليابان، إلا أن الفساد الذي تغلغل فيها أوصلها للحضيض، إلى الحد الذي جعل رئيس الفلبين يطلب من شعبه إطلاق النار على المسؤولين الذين يطلبون رشوة مقابل تأدية أعمالهم.

وأخيراً، الخطوات التي تتخذها المملكة في سبيل الحد من الفساد والصرامة البالغة في التعامل مع هذا الملف هي إشارات صحية في مسيرة التنمية والإصلاح، وسنكون في فترة وجيزة إحدى قصص النجاح في الحرب على الفساد.