في معادلة محاربة الإرهاب هناك لغز مفقود وشماعة مرفوعة باسمه وغول ينطلق نحو العالم باختلاف توجهاته الفكرية.
بعد «القاعدة» التي أضرت ببهاء الأمة العربية والإسلامية وأجمل ما في دينها وإسلامها من السماحة والرحمة المهداة للبشرية جمعاء، منذ سبعينيات القرن الماضي إلى أوائل القرن الواحد والعشرين، قفزت «داعش» إلى السطح.
وفعلت من الأفاعيل المنكرة إنسانياً مما لم تجرؤ «القاعدة» على ممارسته. لكن في فترة قياسية مقارنة بـ «القاعدة» تم قطع رأس أفعى «داعش».
ومنذ ذلك القطع، لم يمت «داعش»، ولم ينقطع ذكره في سلسلة الأحداث الراهنة، فمن ذلك ما أعلن عنه الأمن الروسي، يوم الجمعة الموافق 13 ديسمبر، حيث تم القبض على 5 مسلحين من أنصار «داعش» في موسكو، خططوا لأعمال إرهابية.
بل أخذت التحليلات منحى آخر، لم يكن مطروحا أثناء وجود «البغدادي» على قيد الحياة، فمن ذلك ما ذكره «توم أوكونر»، في مقال له منشور في مجلة «Newsweek» بأن انهيار إيران من المحتمل أن يؤدي إلى نتائج مدمرة ستشمل نهوض تنظيم «داعش» مرة أخرى وغيره من الجماعات الإرهابية. نتحسس بعض مكامن الترهل الأمني لدى الدوائر الغربية التي شكلت من قبل تحالفاً ذات قبضة فولاذية على تنظيم «داعش».
ففي ثنايا الوقائع على هذا الحراك غير الفولاذي نجد في الموقف الألماني شيئاً قريباً من الحلحلة، من خلال ما ذكرته مصادر أمنية ألمانية أن المواطنين الألمان التسعة المشتبه بدعمهم لتنظيم «داعش»، والذين رحلتهم تركيا، لن يواجهوا الاعتقال الفوري عند عودتهم. وقالت المصادر إنه لا توجد أدلة كافية لإصدار مذكرات اعتقال بحق التسعة، ما أثار انتقادات من المعارضة التي قالت إن عملية الترحيل فاجأت الحكومة. ومن بين المرحلين الذين يتوقع وصولهم قريبا، عائلة من سبعة أفراد من بلدة «هيلديشم» وسط ألمانيا التي تركزت فيها مداهمات الشرطة ضد متطرفين في السابق.
لقد تغيرت نظرة الكبار في مجال مكافحة الإرهاب هذا ما أشار إليه الجنرال المتقاعد، ديفيد بيتريوس، الرئيس الأسبق لـ «CIA» عندما قال إن مكافحة الإرهاب لا تتمثل في قتل أهداف ذات قيمة عالية فحسب.
وردا على سؤال حول ما إذا كان مقتل أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش»، يثبت أن أميركا لا يجب عليها الانخراط عميقا في صراعات بعيدة، قال بيتريوس: «من بين الدروس العديدة التي تعلمناها في الحروب التي جاءت بعد 11 سبتمبر ضد المتشددين الإسلاميين، أنك لا تستطيع مكافحة الإرهاب مثل القاعدة وداعش فقط عبر عمليات لقوات مكافحة الإرهاب».
وفقاً لما يدور كذلك في بعض أروقة مراكز الأبحاث المهتمة بالتنظيمات الإرهابية، جاء في تقرير حول وضع «داعش»، رأى مركز الأبحاث الأميركي «Center for Security Policy» أنه من الخطأ افتراض أن تنظيم «داعش» هزم كليّاً، لأنه لا يزال يشكل خطراً على العالم وبدأ يعاود الظهور بقوة في العراق وسوريا.
وأضاف المركز أن «هزيمة قوات سوريا الديمقراطية التي تضم مقاتلين أكراداً من شمال سوريا ستشكل دعماً قوياً لداعش على أساس أن هذه القوات تعتبر أكثر التنظيمات فاعلية ضد التنظيم في تلك المنطقة».
ويبدو بأن هناك مقاربة أخرى في صدد التبلور لمحاربة الإرهاب في العالم الغربي، مما يؤدي إلى تغيير في استراتيجية التعامل مع الجماعات المتطرفة، وخاصة التي نشأت تحت أجنحة أجهزة الاستخبارات الفاعلة للاستفادة منها وقت الضرورة.
*كاتب إماراتي