& عمر علي البدوي

تاريخ المنطقة الحديث يحتفظ بالكثير من هذا النوع من المناسبات التي جمعت دولا شتى على هدف متوهم، سرعان ما تتفكك عراه وتنفلت بناه ولا تقوم له قائمة، لاسيما تلك الأهداف التي تقصي لاعبين مركزيين في المنطقة وتستهدف إزاحتهم وتهديد وجودهم الطبيعي.

& &لقاء بأجندات مختلفة

انتهت قمة ماليزيا إلى الفشل، بعد حضور باهت، وتمثيل ضعيف وانكشاف كبير لأهدافها الالتفافية، ولم تشهد -كما كان مؤملا منها- قيام تكتل إسلامي جديد يضم دولا إسلامية انتظمت على عجل، استجابة لدعوى “إعادة إحياء النهضة الاقتصادية والاجتماعية للحضارة الإسلامية”، كما أعلن موقع القمة.

القمة التي شارك فيها زعماء كل من ماليزيا وقطر وتركيا وإيران وخلت تماما من أي مكون عربي، ولاسيما الدول ذات الثقل فيها مثل السعودية ومصر التي كانت دائما في صدارة المسؤولية والتأثير في كل تجمع يخاطب أو يمثل المسلمين ويتوجه إليهم، غرقت في تبرير نفسها ونفي أهدافها المستبطنة بعد أن ووجهت بمقاطعة عريضة وعزوف كبير وصل إلى حد الشماتة.

الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام، لاسيما وأن المشاركين في الأغلب تجمعهم الكثير من التقاطعات التي تُفهم منها مناصبة المنطقة العربية العداء والأهواء، سوى مشاركة قطرية تقتصر على تمويل نشاطات القمة وتأمين تغطية إعلامية تروج لمضامينها وتعوض ما تواجهه الدوحة من انحسار في حضورها ودورها، فإن القمة لم تكن مؤهلة للنجاح في الأساس، طالما تعذّر عليها أن تضمن للعرب دورا في خارطتها، فضلاً عن تحولها إلى منصة استهداف لبعض العواصم العربية الناشطة في المنطقة وتعميق الفجوة بين مشروع عربي آخذ في التشكل وسلة من المشاريع الإقليمية التي تحدق بالمنطقة وتترصد لها.

قطر التي لا تملك أي وزن وقدرة على التأثير في موازنات المنطقة، ملتحقة بتركيا في كل خياراتها، لاسيما تلك التي يمكن أن تلمس فيها أي مناكفة للسعودية والإمارات ومصر، في استمرار لسياساتها الكيدية، واستنزافها من قبل اللاعبين الإقليميين ممّن يستثمر في ضعفها ومكابرتها على إعادة اندماجها ضمن نسيجها الطبيعي الخليجي والعربي.

ومثلها بقية الدول المنخرطة في قائمة المشاركين في القمة، تحسبهم جميعاً وأهدافهم شتى، رغم أن الخيط الرفيع الذي لا يكاد يرى ويجمع هذه الدول المنتظمة في سلك القمة، هو خلفية الإسلام السياسي التي تحرك زعماءها.

الخيط الرفيع الذي يجمع أغلب الحضور في القمة، هو خلفية الإسلام السياسي، فبعد أن تراجعت حظوظ جماعة الإخوان المسلمين في ضوء الرفض الرسمي والشعبي الذي واجهته خلال السنوات القليلة الماضية، وذهبت بريح مشاريعهم الإمبراطورية، يسعى المجتمعون لإعادة إحياء الأمل لديهم

الخيط الرفيع للإسلام السياسي يحرك زعماء الدول المتصدرة للقمة وخلفيتهم الأيديولوجية، بعد أن تراجعت حظوظ جماعة الإخوان المسلمين في وجه الرفض الرسمي والشعبي الذي كابدته خلال السنوات القليلة الماضية، وذهبت بريح مشاريعهم الإمبراطورية، ولعل في القمة ما يعيد إحياء أمل الإخوان، لاسيما وهو يعتمد على واحدة من تقنياتهم التقليدية، بإنشاء روابط بديلة عن منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، بعد أن استعصت على أن تخضع لسيطرة الجماعة وتستجيب لأيديولوجيتهم وتلتزم بأجندتهم.

وأهدرت المنصات ذات الهوى الإخواني، لاسيما تلك المنبعثة من شوارع إسطنبول وعماراتها، الكثير من الخبر والكلام للترويج لهذه القمة والتبشير بنتائجها حتى قبل انعقادها، والإسقاط على كل تكتل عربي وإسلامي آخر، وأنها ستحل بديلاً عنها وتؤمن للشعوب العربية طريقاً سالكاً لاسترداد الحقوق وضمان العيش الكريم والوقوف في وجه المشاريع الإمبريالية الخارجية، وهكذا دواليك من الشعارات التقليدية التي تطير بها الحناجر والأبواق في كل مرة وتخدع بها الشعوب.

كان بإمكان القمة أن تكون تجمعا سنيا بحتا، ينسجم مع أهداف الجماعة المنبوذة ويرفع الحرج عن قياداتها في الترويج للقمة دون التعاطي مع إيران التي تلقى كل الرفض من المحيط العربي الواسع، لولا الدعوة التي قدمها مهاتير محمد للرئيس الإيراني حسن روحاني لحضور القمة والمشاركة في فعالياتها، لتكتمل صورة قمة لا تراعي مشاعر العرب ولا تهتم لمآسيهم، التي يقع في القلب من أسبابها، سلوك طهران وميليشياتها وعبثها في المنطقة.

وتقدم القمة أفضل خدمة لإعادة تأهيل النظام الإيراني لدى المجتمع الدولي بعد أن تهشمت صورته الوردية في نفوس محازبيه والمحيط المحلي لأنصاره، وأحاطت به نتائج أفعاله في شكل عقوبات اقتصادية دولية قاسية وانتفاضات شعبية في المدن الإيرانية والبلدان التي استبيحت من قبل وكلاء طهران، ورفض سياسي وشعبي دولي كبير، لتأتي قمة المحبطين كطوق نجاة أخير ينتشلها من وهدة واقعها القاسي.

على كل حال، يحتفظ تاريخ المنطقة الحديث بالكثير من هذا النوع من المناسبات التي جمعت دولاً شتى على هدف متوهم، سرعان ما تتفكك عراه وتنفلت بناه ولا تقوم له قائمة، لاسيما تلك الأهداف التي تقصي لاعبين مركزيين في المنطقة وتستهدف إزاحتهم وتهديد وجودهم الطبيعي، وبالنظر إلى تركيبة هذه القمة، تبدو الصورة واضحة، وزخم الفشل يغطي سماء القمة ومستقبلها.

تركيا التي أوصدت في وجه أحلامها كل الأبواب، ومهاتير الذي يبحث عن وهج مكانته القديمة التي صنعتها الآلة الإخوانية، وقطر الملحقة بأردوغان، وإيران التي تبحث عن فرصة لالتقاط أنفاسها، كل ذلك انتهى بقمة كوالالمبور إلى الفشل الذريع.

&